مقالات

د. عماد عبدالرحمن العجان يكتب: المدير القائد .. ليس مراقباً

 

في عالم الأعمال المعاصر، حيث تتسارع الوتيرة وتتزايد التعقيدات، تبرز أهمية القيادة كعنصر جوهري لنجاح أي منظمة. يتعامل بعض المديرين مع مفهوم القيادة بأسلوبهم الخاص، حيث يطغى التركيز على الرقابة والانشغال بالتفاصيل الدقيقة. يُعرف هذا الأسلوب بـ”الإدارة التفصيلية (Micromanagement)”، وغالبًا ما يُستخدم كوسيلة لمتابعة كل خطوة وكل قرار يتخذه أعضاء الفريق. قد يبدو هذا النهج في البداية وسيلة فعالة لضبط الأداء وضمان النتائج، غير أن الحقيقة تختلف كثيرًا.

فهم القيادة الحقيقية

القائد الحقيقي ليس ذاك “الأخ الأكبر” الذي يراقب كل حركة وكل قرار، بل هو من يعرف كيف يمنح الثقة لفريقه، ويخلق بيئة تحفيزية تقوم على التعاون والابتكار. فالقائد الفعّال هو الذي يرشد ويدعم، ويعمل على تمكين أفراد الفريق من الاعتماد على قدراتهم الذاتية بدلاً من الاتكال التام على توجيهاته.

سلبيات الإدارة التفصيلية

1. قتل روح المبادرة: عندما يشعر الموظفون بأن كل خطوة يخوضونها تخضع للمراقبة الدقيقة، ينتابهم الحذر المفرط الذي يعيقهم عن المبادرة والتجربة. ويؤدي هذا الخوف إلى تراجع في الأداء والمشاركة الفعّالة.

2. ضعف الثقة بالنفس: تؤدي الإدارة التفصيلية إلى تآكل ثقة الموظفين بأنفسهم وبقدراتهم على اتخاذ القرارات. وعندما يُحاصر الفريق برقابة دائمة، يتولد لديهم شعور بعدم الأمان، حتى لو امتلكوا خبرات ومهارات متميزة.

3. تقليص الإبداع: في غياب بيئة حرة تحفز على التجريب، يتراجع مستوى الإبداع. فالفرق القادرة على التفكير خارج الصندوق هي التي تُنتج أفكارًا وحلولًا مبتكرة، بينما تؤدي الرقابة المشددة إلى التوتر وتقيد التفكير الإبداعي.

4. الاعتماد الزائد على المدير: بمرور الوقت، يصبح أعضاء الفريق معتمدين بشكل شبه كامل على قرارات المدير، مما يعيق تطور مهاراتهم الذاتية ويؤثر سلبًا على قدرتهم على الاستقلالية والنجاح.

نحو قيادة فعّالة

لتحقيق نتائج استثنائية، ينبغي على القائد أن يتبنى أسلوبًا مبنيًا على الثقة، حيث يتحمل الفريق المسؤولية ويُمنح مساحة للتجربة والتعلم. وعندما يشعر الموظفون بأن لديهم الحرية لارتكاب الأخطاء وتحقيق النجاحات، فإنهم يصبحون أكثر استعدادًا للإبداع وابتكار الحلول.

الأمر كله يعتمد على نظرة القائد لدوره. فالقائد الناجح هو من يدعم ويحفّز على الاستقلالية، ويُلهم الفريق للسعي نحو تحقيق الأهداف، بدلاً من كبحه بالرقابة المستمرة. وينبغي أن يكون تركيزه منصبًا على بناء الثقة وتعزيز المهارات، لا على فرض السيطرة.

الخاتمة

القيادة فن يتطلب توازنًا دقيقًا بين تقديم التوجيه والدعم من جهة، ومنح الاستقلالية والثقة من جهة أخرى. وإذا كنا نطمح إلى بناء فرق عمل ناجحة، فلا بد من الابتعاد عن أسلوب “الإدارة التفصيلية”، والاقتراب أكثر من دور القائد الذي يثق بفريقه ويدعمهم في رحلتهم نحو التميز. فالقائد الحقيقي هو من يُمكّن، لا من يُقيّد.

 

* كاتب المقال: مدير عام مدارس النيل المصرية الدولية

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى