تقارير وتحقيقات

رحلة إلى المقابر.. “محمد الديب” سفير الآخرة يكشف أسرار وحكايات نبش القبور في الوقف

 عملية دفن الميت تستغرق 5 ساعات .. ودفن الرجل مع المرأة مرتبط بوصية

 مساحة القبر متر X متر .. وتتضاعف إلى مترين ونصف لأصحاب الأجسام الضخمة

 

 أكثر ما يشغلنا هو حراسة الجثث من تجار الآثار الذين لا يكفون عن نبش القبور

 

شاهدنا عظام ملقاة خارج القبور.. ونطالب بدوريات أمنية لتأمين المقابر

أغرب جنازة كانت مصحوبة بالمزمار والطبل البلدى

 

“الطلوع” عادة قديمة .. وأقارب الميت لا يحرصون على الزيارة فى الــ 15 و الــ 40 

 

عاشت الرحلة إلى المقابر – شيماء رمضان:

 

“سفير الآخرة” “ملك المقابر” “الفحار” “لحاد”؛ ألقاب متعددة لمهنة واحدة صاحبها هو “التربى” وهو الشخص المسئول عن دفن الميت فور خروج الروح من الجسد .. ولمن لا يعلم فالتربى، ليس كما يراه البعض أن دوره يقتصر فقط على دفن الميت، فهو قبل ذلك يمارس مهنة عظيمة ويتحمل أمانة غالية فى دفن الموتى، فمنهم من توارثها عن أجداده ومنهم من ذهب إليها ابتغاء مرضاة الله ونيل الثواب من رب العباد، فلا عجب إن علمنا أن بعض الحالات يرفضون أي مقابل مادي نظير قيامهم بعملية الدفن، وفى الحالات الأخرى يكون المقابل جزء يسير لا يناسب حجم المهمة، وفوق ذلك فإنهم يتحملون على نفقتهم شراء الطوب اللبن الذى يتم إغلاق القبر به، وبينما يقبع أهل الميت داخل منازلهم يظل التربى متجولا داخل المقابر لحمايتها من اللصوص حتى لا تتعرض للنبش والسرقة لبيعها لأصحاب النفوس الضعيفة الذين ماتت ضمائرهم، وسيطرت الغلظة على قلوبهم.

 

 فحياة “التربى” عالم مليء بالأسرار والخبايا، وكلنا تعرضنا للتعامل معه مرة أو أكثر عند وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء، لكنها تجربة لا تتعدي الدقائق أما بالنسبة لــ “التربي” فالوضع مختلف تماماً لذلك قررت “مصر الحرية” خوض التجربة لفترة أطول للتعرف على عالم القبور وكيف يتعامل التربى مع الميت بدءا من إدخاله فى القبر حتى إغلاق الباب على جثمانه ليستقبل الملكين لسؤاله عما فعل فى دنياه، فتوجهنا إلى مدافن مركز الوقف بمحافظة قنا، وهناك التقينا والتقينا “تُربى” الوقف، الحاج محمد الديب عبدالرحيم، البالغ من العمر 66 عاما والذى يمارس المهنة منذ أكثر من 25 عامًا.

 

السطور التالية تحمل لكم تفاصيل الرحلة التى عاشتها جريدة “مصر الحرية” في مقابر الوقف.

 

– كيف تكون البداية عند فتح القبر ؟

 

 – عند فتح المقابر للدفن لابد أن نكون على طهارة ووضوء ونقرأ المعوذتين ونقول “السلام عليكم دار قوم المؤمنون.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون.. سبحان من يحيي العظام وهي رميم” وهذا لأن المكان له حرمته، ويجب أن نكون حفاة الأقدام، ثم نقوم بتهيئة المكان من الحصى ووضع باقى العظام جانباً، لاستقبال الميت ووضعه فى القبر بعد تمهيد المكان.

 

 – وماذا بعد وصول الجثمان ؟

 

 – نتسلم الجثمان لنضعه في القبر ونقوم بالدفن من مؤخرة القبر ونضع الميت على الجانب الأيمن ونقول “لا دائم إلا وجه الله الكريم .. سبحان الحي الذي لا يموت” ونوجه الجثمان إلى القبلة الشرعية، فتكون الرأس في الغرب، والقدمين في الشرق، ويتم وضع الجثمان على الرمل بارتفاع نحو “شبر” عن الأرض لكى لا يستوى مع سطحها، وقبل ذلك نكون قد قمنا برش القبر بالمياه ليتماسك التراب ولا يتطاير ونقول عند الوضع الأخير “بسم الله وعلى سنة رسول الله أو على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم” ونقوم بفك الأربطة الثلاثة بالترتيب؛ الأول عند الرأس، والثاني في الوسط، والأخير من القدمين، حتى لا يهان الميت ولا تظهر له رائحة عند فتح القبر بعد سنة أو ستة أشهر إذا توفى شخص آخر واضطررنا لفتح القبر، وإذا نسينا القيام بهذه الخطوة المهمة نقوم بفتح القبر من جديد مرة أخرى ونقوم بفك الأربطة الثلاثة، وبعد الإنتهاء من ذلك يتم غلق القبر بحوالى 25 قالب من الطوب اللبن أو الرملى، ولا نستخدم الطوب البلدى أو الحراري لأنه محرم على الميت، ونقوم برش الماء على باب القبر لخمد التراب ويبقى بعدها أقارب الميت على القبر لعدة ساعات لتلاوة القرآن والدعاء للميت، ويسألون المولى عز وجل له الرحمة فى ساعة الحساب التى تبدأ بمجرد غلق القبر على الميت، أما بالنسبة لعملية دفن الميت المسيحى فيتم دفنه فى “فساكى” شبيه بالغرف ويتم وضع الميت على ظهره.

 

 – وهل يتم دفن الرجل مع المرأة؟ 

 

– هذا يتم بناء على وصية من المتوفى أو فى بعض الأحيان استجابة لرغبة أهل المتوفى، فمثلا الزوج يدفن مع زوجته، وكذلك الأخ مع أخته والابن مع عمته أو خالته، وفى غير ذلك فيدفن الرجال مع بعضهم والنساء مع بعضهن.

 

 – كم تستغرق عملية دفن الميت ؟

 

 – المدة المستغرقة فى الدفن قد تصل إلى خمس ساعات أو أكثر، حيث يتم إبلاغنا بحالة الوفاة من قبل أقاربه، ونقوم بعدها بحفر القبر وتجهيزه ليكون على أتم الاستعداد لاستقبال الجثمان بعد الوقت المحدد لتشييع الجنازة، حتى لا ينتظر الميت خارج القبر، فمجرد أن يتم التذكير والدعاء للميت من قبل أحد المشايخ والدعاء له بأن يلهمه المولى عز وجل إجابة سؤال الملكين يتم الدفن مباشرة.

 

 – ما هى المواقف أو المشكلات التى تواجه الحفار عند الدفن؟

 

– القبر يتحمل 6 جثث من الموتى، حيث يشتمل على أربع فتحات، وقد تحمل كل فتحة جثتين، وعندما يمتلئ القبر نقوم بحفر قبر جديد، ونرى فى ذلك معاناة من حيث الحفر، خاصة أنها تربة رملية، وفى بعض الأحيان نجد أن القبر غير مهيأ للاستخدام، فنضطر لحفر قبر جديد، وربما هذه المشكلة لا نواجهها فى مقابر الأخوة المسيحيين لأنه حينما تمتلئ المقابر لا نجد معاناة فى الدفن حيث نقوم بتجميع العظام ووضعها فى مكان واحد خاصة وأن الميت يترك فى لحده الأخير.

 

 – وهل للقبور أحجام أو مساحات مختلفة ؟

 

 – بالطبع هناك إختلاف فى مساحات القبور، وفقا لحجم الميت وجسمه، فالميت صاحب الجسم المتوسط يتم وضعه فى قبر بمساحة متر فى متر، أما صاحب الجسم الضخم فيتم توسعة القبر ليصبح بمساحة 2 متر أو 2.5 متر مضروبا فى نفس المساحة.

 

 – وماذا عن الميت الغريق أو الشهيد هل يكون مكفننا مثل حالات الوفاة العادية ؟

 

 – عندما تأتى إلينا حالات دفن لغريق أو شهيد يكون مكفننا بالكفن الإسلامى المتعارف عليه، وينطبق عليه حالات الدفن والغسل مثل المتوفى العادى.

 

 – ما هو أصعب موقف صادفكم فى هذه المهمة؟

 

 – أصعب موقف حدث معنا قبل عشر سنوات، وكانت الحالة لمتوفى قادم من مصلحة السجون بعد تنفيذ حكم الإعدام بحقه بعد قيامه بقتل أبيه، حيث شهدت الجنازة إجراءات أمنية مشددة لم تشهدها المدافن من قبل ولم نعتد نحن على رؤيتها أثناء استقبال المتوفى لدفنه. 

 

– وهل من مواقف غريبة قابلتكم ؟

 – نعم، فقد شاهدنا ” كربا ” – نعش – محملا بأحد الأولياء، والجنازة يسير خلفها فرق الطبل والمزمار البلدى، وقبل دفن المتوفى كان النعش يحرك حامليه صوب المساجد التى تقابلهم فى الطريق لكى يصلى عليه داخل المسجد ليصلى عليه أكثر من مرة، وكانت هى الجنازة الوحدة التى وصلت للمقابر بالطبل والمزمار، بدلا من البكاء على الميت مما يفعل أقاربه الموتى.

 

 – زيارة المقابر.. عادة مستحبة لدى الأهالى.. فهل لا تزال هذه العادة قائمة ؟

 

 – كانت هذه العادة منتشرة بشكل كبير قديما حيث كان هناك حرص شديد من أقارب الميت على الزيارة فى أيام معينة وهى ما تسمى بــ “الطلوع” فى أيام الخامس عشر والأربعين بعد الوفاة، ولكن الآن لم يعد أحد يهتم بها، وأصبح أقارب الميت يأتون لزيارته فى أى يوم، ويحرصون على إحضار ما يسمى بــ “الرحمة” وهى فى الغالب تكون عبارة عن أنواع مختلفة من الفاكهة وبعض المخبوزات، ويتم توزيعها على الفقراء، وفى بعض الأحيان تكون الرحمة عبارة عن مبالغ مالية رمزية.

 

 – منطقة مقابر الوقف تعرف بإحتوائها على كم كبير من الآثار .. فهل صادف أثناء الحفر أن وجدتم أى قطع أثرية ؟

 

 – إذا حدث ذلك ما كان أصبح هذا حالنا، ولتركنا هذه المهنة الشاقة، ولكنا لم يصادفنا على الإطلاق العثور على أى قطع أثرية، ولكننا نقف بالمرصاد لتجار الآثار الذين يتسللون ليلا لنبش القبور للبحث عن الآثار.

   

 

 – ما الذى يشغل بالكم وأنتم تتحملون هذه الأمانة بدفن الموتى ؟

 

 – أكثر ما يشغلنا هو مواجهة تجار الآثار الذين ينبشون القبور ليلا، وكذلك أصحاب النفوس الضعيفة ممن يقومون بنبشها والحفر للحصول على الآثار وكثيرًا ما حدث وشاهدنا عظام الموتى ملقاة خارج القبور، ولذا فنطالب بمرور دوريات أمنية بجوار المقابر بصفة منتظمة حتى يعلم لصوص المقابر أن هناك قوة رادعة تنتظرهم إذا ما استباحوا لأنفسهم حرمة نبش القبور، خاصة وأننا لا نقوى بمفردنا على حماية المقابر، فكثيرا ما نقوم بالمرور ليلا، ونجحنا من قبل فى منع البلطجية من سرقة مواتير مياه وأعمدة الكهرباء بالمنطقة. 

– هل تحصلون على مبالغ محددة نظير عملية الدفن ؟

 

 – بالنسبة للأطفال فلا نحصل على أى مقابل ونعمل ذلك وننتظر الثواب من عند الله عز وجل، أما بالنسبة لغير الأطفال فنحصل من العائلات ميسورة الحال على مبلغ يتراوح ما بين 500 وحتى 600 جنيه، أما الفقراء فنحصل على مبلغ 300 جنيه وأحيانا 200 جنيه فقط، أما لحالات دفن المسيحيين فنحصل على 500 جنيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى