مقالات

د.خالد فواز يكتب: الفتح الإسلامي لمصر: بداية نهضة اقتصادية وثقافية تحت قيادة عمرو بن العاص

 

كانت مصر ولاية تابعة للرومان منذ عام 30 قبل الميلاد حتى عام 641 ميلادي، حتى جاء الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص. استمر الرومان في السيطرة على مصر لمدة سبعمائة عام، حيث كانت تعتبر سلة غذاء روما من القمح والموارد الأخرى. تواجدت اللغات اليونانية والقبطية وبعض المصطلحات الفرعونية، وكان الدين سببًا رئيسيًا في اضطهاد الرومان للمصريين بسبب وثنيتهم.

دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقس في عهد الإمبراطور نيرون، مما أدى إلى اضطهاد المسيحيين بسبب تعارضهم مع القيود الوثنية. عانت مصر من محنة كبيرة في عهد الإمبراطور دقلديانوس عام 284 ميلادي، حيث شهدت تلك الفترة ما يعرف بعام الشهداء، ومنذ ذلك الحين بدأ التقويم القبطي يتزامن مع التقويم الغريغوري، مع ما رافقه من حرق وقتل وهدم للكنائس ومصادرة للأموال.

 

استمر هذا الوضع حتى جاء الإمبراطور قسطنطين الذي أعلن المسيحية دينًا رسميًا للدولة عام 313 ميلادي، إلى أن فتح المسلمون مصر عام 641 ميلادي. ومع ذلك، عادت موجة الاضطهاد لتستمر لمدة عشر سنوات. لكن عندما فتح عمرو بن العاص مصر، تعامل مع المصريين بالتسامح والمحبة، واحترم جميع الأديان الموجودة، ولم يجبر أحدًا، سواء كانوا مسيحيين أو يهودًا، على اعتناق دينه. بل سمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، مع تأكيده على تساويهم في الحقوق والواجبات. كما أرسل عمرو بن العاص الأسرى والغنائم إلى عمر بن الخطاب، الذي أعادهم إلى بلادهم وأمر عمرو بن العاص بإبرام عقد الذمة بينهم.

 

خطة عمرو بن العاص لتطوير الاقتصاد والأوضاع في الدولة

بعد القضاء على الرومان وسقوط إمبراطوريتهم، انطلق عمرو بن العاص نحو إعادة بناء الاقتصاد وإصلاح الزراعة، ليعيد لمصر مكانتها كسلّة غذاء للعالم، ويعمل على إزالة جميع العقبات التي خلفها الرومان.

 

قام بتقسيم الدولة إلى جناد، مما سهل الإدارة الحكومية، بحيث تكون جميعها تحت إشراف الوالي، مما ساهم في تعزيز الحكم والسيطرة. كما فرض ضرائب على الزراعة والتجارة بناءً على إنتاجها.

 

كما أقرّ ضرائب على المسلمين وجزية على اليهود والمسيحيين، مما أسهم في زيادة الإيرادات وتخطيط النفقات في الدولة.

 

أما التجارة، سواء كانت برية أو بحرية، فقد كانت محوراً لتطوير النشاط التجاري، حيث فتح قنوات تجارية مع مناطق متنوعة. وشجع على الابتكار واستخدام الصناعات المحلية والحرفية والأدوية، مما أدى إلى إنشاء ورش جديدة.

 

أنشأ أيضاً إدارة مالية لتحسين إدارة الأموال وتعزيز الاقتصاد المحلي، مع منح بعض فئات الشعب المصري فرصاً في الوظائف الإدارية، نظراً لخبرتهم ومعرفتهم بكيفية إدارة دولتهم بشكل أفضل.

 

كما أسس مراكز تعليمية ودينية، حيث بدأ الناس في تعلم القرآن والأحاديث والشريعة، مما ساهم في نشر الثقافة والمعرفة.

 

وفي الختام، تمثل جهود عمرو بن العاص في بناء الدولة الإسلامية في مصر أساساً لجعلها اقتصاداً قوياً يسعى لتحقيق التنمية المستدامة. بعد الفتح، شهدت مصر نهضة شاملة في مجالات العمران والفنون، حيث تجلت هذه النهضة في بناء الحصون والقصور والمساجد والأسوار. كما ازدهرت الفنون الزخرفية في مدينة الفسطاط، التي تضم مسجد عمرو بن العاص، إلى جانب تقدم ملحوظ في مجالات فنية أخرى.

لقد جاء الإسلام ليس بالسيف، بل برسالة تعليمية تحمل في طياتها كتاب الله وسنة رسوله الكريم. فالإسلام لا يعتدي على الدول ذات السيادة، بل يقاوم المحتلين وأعداء الله، أو أولئك الذين يضطهدون الشعوب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود. فتعليم الإسلام يقوم على الأخلاق الرفيعة التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على العنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى