مقالات

رحلة حياة في صفحات كتاب.. بقلم لواء د. سمير فرج

 

في حياة كل إنسان، هناك شخصيات وأحداث تبقى محفورة في ذاكرته، تشكل وعيه، وترسم ملامح مسيرته. وأنا، بفضل الله، كنت أحد هؤلاء الذين جمعهم القدر بكثير من العظماء، سواء في مجالي العسكري أو الثقافي. واليوم، وأنا أحتفي بصدور كتابي السابع “شخصيات في حياتي” عن دار نهضة مصر للنشر ضمن إصدارتها لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، أجد نفسي في لحظة تأمل وامتنان، أستعيد تلك المحطات التي شكلت هذا العمل، وأشارككم جانبًا من تفاصيله.

لطالما اعتقدت أن الكتابة ليست مجرد فعل تسجيل للأحداث، بل هي مسؤولية توثيق التجارب التي قد تحمل دروسًا للأجيال القادمة. في هذا الكتاب، أردت أن أفتح نافذة على رحلتي مع الشخصيات التي أضاءت طريقي، وتركت أثرها في حياتي المهنية والشخصية. هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مجرد أسماء عابرة، بل كانوا شركاء في لحظات تاريخية وإنسانية شكلت ملامح حياتي وأثرت في وعيي.

تبدأ صفحات الكتاب من غرفة العمليات في حرب أكتوبر 1973، حيث كنت أصغر ضابط في ذلك الوقت. كانت تلك اللحظات مليئة بالمواقف التي شكلت وعيي الوطني والإنساني، حيث عملت تحت قيادة قادة عظماء مثل الفريق سعد الدين الشاذلي، والمشير محمد عبد الغني الجمسي، واللواء صلاح فهمي، صاحب اختيار توقيت الحرب.

من المواقف التي أسردها في الكتاب أيضًا، لقائي الخاص مع الرئيس جمال عبد الناصر، وهو لقاء ظل طي الكتمان لأكثر من ثلاثين عامًا، ولم أكشف عنه إلا عندما شعرت بأن الوقت قد حان لتوثيق هذا الجزء من تاريخنا. كما أتحدث عن العلاقة الممتدة مع الرئيس محمد حسني مبارك، وهي علاقة تميزت بالمواقف الإنسانية والمهنية، خاصة خلال السنوات الأخيرة من حياته.

ومع مغادرتي الميدان العسكري وانتقالي إلى العمل الثقافي، كرئيس للشؤون المعنوية ثم رئيس لدار الأوبرا المصرية، بدأت رحلة جديدة مع رموز الفن والثقافة في مصر. في تلك المرحلة، التقيت بفنانين وكتاب عظماء مثل عادل إمام، والمبدع الراحل وحيد حامد، والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، وغيرهم ممن تركوا بصماتهم الخالدة في تاريخ مصر الثقافي.

تتجاوز صفحات الكتاب الحدود المحلية لتتناول لقاءاتي مع شخصيات عالمية خلال فترة عملي كمحافظ للأقصر. التقيت بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وملكة النرويج، الذين أتوا جميعًا لمشاهدة عظمة تاريخ مصر وآثارها الخالدة.

كما كان لي الشرف أن ألتقي بأحد أعظم علماء الطب في العالم، السير مجدي يعقوب، وهو إنسان استثنائي بمعنى الكلمة، جسّد بتواضعه وعطائه صورة مشرقة لمصر على الساحة العالمية.

لا يمكن الحديث عن الشخصيات التي أثرت في حياتي دون أن أبدأ بوالديّ، اللذين لهما الفضل الأكبر في بناء شخصيتي. كانت أمي مصدر الحنان والدعم، بينما كان والدي مثالًا يحتذى به في الالتزام والعمل. في صفحات الكتاب، أخصص لهما مساحة خاصة، لأعبر عن امتناني العميق لكل ما قدموه لي.

كذلك، أخصص فصولًا لرموز وطنية وثقافية، ليس فقط لتوثيق تجاربي الشخصية معهم، ولكن لإبراز دورهم في تشكيل جزء من تاريخ مصر الحديث. أردت أن يكون هذا الكتاب شهادة وفاء لتلك الشخصيات التي أثرت في حياتي، وأيضًا فرصة للتأمل في قيمة العلاقات الإنسانية وأثرها في تشكيل ملامحنا.

من خلال هذا العمل، أسعى إلى تقديم رؤية تجمع بين التاريخ الشخصي والتاريخ الوطني. أردت أن أظهر أن النجاح في الحياة لا يأتي فقط من الفردية، بل من تأثير الأشخاص الذين نقابلهم في رحلتنا. لكل شخصية ذكرها في الكتاب، هناك درس مستفاد أو حكمة، تركت في نفسي أثرًا يصعب أن يُمحى.

“شخصيات في حياتي” ليس مجرد كتاب سردي، بل هو دعوة للتأمل في قيمة العلاقات الإنسانية، وأهمية توثيق التجارب التي قد تحمل معاني أكبر من مجرد الذكريات. أردت أن يكون هذا العمل بمثابة هدية للأجيال القادمة، كي يطلعوا على قصص عظماء صنعوا تاريخ هذا الوطن، وشخصيات عالمية عكست قيمة التعاون والتفاهم بين الثقافات.

وأخيرًا، لا يسعني إلا أن أوجه شكري لكل من كان له دور في إخراج هذا العمل للنور. شكرًا لدار نهضة مصر للنشر، وللجمهور الذي دعم مسيرتي على مدار السنوات. أرجو أن يجد القارئ في صفحات هذا الكتاب ما يلهمه، وما يضيء له طريقه، تمامًا كما أضاءت لي هذه الشخصيات مسيرتي.

كل الأمل أن يصل هذا الكتاب لكل من يبحث عن الحكمة في تفاصيل الحياة، ولكل من يؤمن بأن كل لقاء في الحياة يحمل رسالة تستحق أن تُروى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى