رمضان بين الماضي والحاضر.. ذكريات جميلة وروحانيات لا تغيب
من الفانوس الورقي إلى الفوانيس الذكية.. كيف تغيرت أجواء رمضان؟
الطبق الدوّار بين الجيران.. عادة رمضانية افتقدناها
بين “بوجي وطمطم” ومسلسلات اليوم.. كيف تغيرت شاشة رمضان؟
ليلة الرؤية زمان.. احتفالات بسيطة بفرحة لا تُنسى
المسحراتي بين الماضي والحاضر.. صوت كان يوقظ القلوب قبل الأبدان
رمضان في الحارات الشعبية.. روح لا تزال تسكن الذكريات
من لمة العائلة إلى العزلة الرقمية.. كيف أثرت التكنولوجيا على رمضان؟
جيل جديد وعادات مختلفة.. هل فقد رمضان طقوسه الجميلة؟
ذكريات رمضانية.. بين الابتسامة على الماضي والحنين إلى أيامه
تحقيق – هناء سليمان بخيت
رمضان، ذلك الشهر الذي يحمل معه نسمات من الماضي الجميل، ويفتح أبواب الحنين إلى أيام كانت البساطة عنوانها والفرحة تملأ القلوب.
بين الفوانيس الورقية وألعاب الطفولة، وبين صوت المسحراتي الذي كان يجوب الشوارع، وبين لمة العائلة التي كانت تجمع القريب والغريب، تغيرت الكثير من العادات، وبقيت الروحانيات ثابتة رغم اختلاف الأزمان.
الطبق الذي يدور بين الجيران.. أين ذهب؟
من أبرز مظاهر رمضان في الماضي كان التكافل والتلاحم بين الجيران، حيث كان الجار قبل أن يتناول إفطاره يتأكد من أن جيرانه لديهم ما يفطرون عليه، كانت الأطباق الرمضانية تنتقل بين البيوت في صورة من صور المحبة والتآزر، فلا أحد يعرف من صاحب الطبق الأصلي، لكنه كان يجوب المنازل حاملاً معه البركة والود، أما اليوم، فقد اختلفت الأمور، وأصبحت هذه العادة شبه غائبة، حيث قلّ التفاعل المباشر بين الجيران، إلا من القليل الذين لا يزالون متمسكين بهذه القيم الأصيلة.
فوانيس رمضان.. من الشمعة إلى البطاريات
كان الفانوس قديماً بسيطاً، مصنوعاً من الصفيح والزجاج، وكانت شمعته الصغيرة تبث نورها في ظلام الحارة، حيث كان الأطفال يجوبون الشوارع ليلاً يغنون “وحوي يا وحوي”، بينما تتشابك أياديهم الصغيرة بفوانيسهم التي تتراقص أضواؤها في الهواء، أما اليوم، فقد أصبحت الفوانيس تعمل بالبطاريات، تصدر ألحاناً وأغاني مسجلة، وأصبحت أكثر تطوراً، لكن هل بقي لها نفس الطعم؟
المسحراتي.. صوت كان يوقظ القلوب قبل الأبدان
لم يكن المسحراتي قديماً مجرد رجل يحمل طبلة، بل كان شخصية محبوبة في الحي، يعرف الجميع ويعرفونه، ينادي كل فرد باسمه، ويمر على البيوت ليوقظ الصائمين بعباراته المحفوظة، اليوم، لم يختفِ المسحراتي تماماً، لكنه لم يعد كما كان، فالأصوات المعلبة عبر مكبرات الصوت حلت محله، وقلّ التفاعل المباشر بينه وبين الناس.
التلفزيون في رمضان.. من “بوجي وطمطم” إلى دراما لا تنتهي
كان التلفزيون في رمضان جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي، وكان الأطفال ينتظرون بشغف حلقات “بوجي وطمطم”، و”فوازير نيللي وشريهان”، و”ألف ليلة وليلة”، وكانت هذه البرامج تجمع الأسرة حول الشاشة، أما اليوم، فقد تغيرت الخريطة التلفزيونية، واحتلت المسلسلات الدرامية المشهد، وباتت المنافسة بينها تحتدم، لكن هل استطاعت أن تعوض مكانة تلك الأعمال التي لازالت محفورة في ذاكرة الأجيال؟
رمضان بين ذكريات الأمس وواقع اليوم.. آراء الناس
تقول شيماء راضي، موظفة، عن رمضان في الماضي:“رمضان كان يعني لمة العيلة، بعد الفطار نجتمع مع أصدقائنا في الشارع نلعب بالفوانيس، وكنا نصنع الزينة بأيدينا من الورق والدقيق، أما الآن فكل شيء جاهز يُشترى من المحلات، حتى زيارات الأقارب كانت عادة أساسية، واليوم أصبحت تقتصر على الرسائل عبر الهاتف، رمضان زمان كانت له ريحة خاصة، طيبة الناس، تبادل الأطباق، انتظار الفوازير بشغف، وحتى المسحراتي كان له طابع خاص، اليوم، كل شيء أصبح مختلفاً، لكن تبقى الروحانيات كما هي، فالصلاة والقرآن لا تزال موجودة في كل زمان.”

أما محمود المغربي، موجه بالتربية والتعليم بقنا، فيروي ذكرياته قائلاً: “قبل رمضان كنا نستعد بصنع الأعلام والفوانيس، وكل أفراد البيت يشاركون، فمن يقص الورق، ومن يلون، ومن يلصق. حتى عند الإفطار، لم يكن الطعام الأهم، بل اللمة والسعادة، كنا نخرج بعد الإفطار في مجموعات نهتف ونغني في الشوارع، ونحمل فوانيسنا المضاءة بالشموع، على الرغم من أن ليس كل طفل كان يمتلك فانوساً، إلا أن فرحة واحد كانت تشمل الجميع، لازلت أحن إلى تلك الأيام، وأشعر بأننا كنا محظوظين لأننا نشأنا في حي شعبي حيث رمضان له طعم آخر.”

وتضيف الحاجة زينب، ربة منزل، بحنين واضح: “زمان كان كل شيء له طعم مختلف، حتى الهواء كان له رائحة أجمل، كنا ننتظر رمضان أكثر من العيد، ورغم أننا كنا نذهب للمدرسة، إلا أن الحياة كانت تسير بشكل طبيعي. اليوم، المدارس تُغلق في رمضان، والأطفال يسهرون أمام التلفزيون وينامون حتى الظهر، ثم يقولون إنهم لا يشعرون بفرحة رمضان، كنا نعيش ببساطة، لم تلوثنا التكنولوجيا كما يحدث اليوم، وكان الأطفال يستمتعون بالمناسبات دون تأثير سلبي.”
الفوانيس والألعاب.. بين الماضي والحاضر
يقول عم أحمد، صاحب محل لعب أطفال: “الفوانيس لا تزال جزءاً من رمضان، لكن صناعتها تغيرت، والجميع يقبل على شرائها رغم اختلاف شكلها عن الماضي، حتى الألعاب كانت بسيطة، مثل الطيارات الورقية، والبومب الذي كان يُستخدم بحذر، أما اليوم، فقد أصبحت الألعاب خطيرة، وأحياناً تسبب جرائم، كما أن الأطفال لم يعد لديهم ارتباط ديني قوي برمضان كما كان في الماضي، حيث بات التركيز على الترفيه أكثر من الجوانب الروحانية.”
وسائل التواصل الاجتماعي.. تواصل أم تباعد؟
أشارت فاطمة بدوي إلى دور التكنولوجيا في تغيير أجواء رمضان: “اليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية للاحتفال برمضان، حيث يشارك الجميع صور الإفطار، والزينة، والتهاني، هذا ساهم في بقاء التواصل حتى بين المغتربين، لكنه في الوقت نفسه جعل العلاقات أكثر سطحية، حيث باتت التهاني تُرسل عبر الرسائل بدلاً من الزيارات المباشرة، تغيرت العادات، لكن رمضان سيظل يحمل طابعاً خاصاً مهما تبدلت الأزمان.”
خلاصة القول.. رمضان يبقى رمضان مهما تغيرت العادات
رغم التغيرات التي طرأت على العادات الرمضانية بين الماضي والحاضر، تبقى روح الشهر الكريم ثابتة، تجمع الناس على قيم المحبة والتآزر، فبين البساطة والترابط القديم، والتكنولوجيا والتطور الحديث، يظل رمضان فرصة للتقارب، واستعادة بعض مما فقدناه، والتمسك بالقيم الأصيلة التي تجعل من هذا الشهر تجربة فريدة لا تتكرر.