محمود محمد أبو المجد يكتب: علِّموا أولادكم أهمية رحلة الإسراء والمعراج
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى تعليم أبنائنا عن رحلة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة الربانية التي تحمل في طياتها دروسًا عظيمة. يجب أن نغرس فيهم أن المنح تولد بعد المحن، وأن العسر يعقبه اليسر، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تعرض لمحن شديدة، منها إغلاق قريش لطريق الدعوة في مكة، ووفاة عمه أبي طالب، الذي كان يدافع عنه، مما جرَّأ المشركين عليه، إضافة إلى وفاة زوجته السيدة خديجة، التي كانت سنده ورفيقته في الدعوة. كما لاقى من أهل الطائف صنوف الأذى، لكنه صبر وثبت في طريق دينه ودعوته، فجاءت رحلة الإسراء والمعراج مكافأة ربانية له على ما عاناه.
رحلة الإسراء والمعراج هي رحلة ربانية عظيمة تحمل في طياتها العديد من المعاني والدروس التي يجب أن نعلمها لأبنائنا. فعن طريق الإسراء، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس في جزء من الليل، ثم عاد في نفس الليلة. وقد ورد ذلك في قوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء: 1). أما المعراج، فقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات السبع، حيث فرضت عليه الصلوات الخمس، ثم عاد إلى الأرض في جزء من الليل، كما ورد في سورة النجم: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى…” (النجم: 13-18).
من أبرز الدروس المستفادة من هذه الرحلة العظيمة هو أن الإسلام هو دين الفطرة، وهذا ما يظهر جليًا في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للّبن بدلًا من الخمر، حينما اختار جبريل عليه السلام له الفطرة وقال له: “هديت إلى الفطرة”. هذه الفطرة هي التوازن بين الروح والجسد، والمصالح والمفاسد، والدنيا والآخرة. الإسلام يلبي الفطرة الإنسانية بشكل كامل، وهو ما يفسر سرعة انتشاره، رغم العوائق التي وُضعت أمامه. قال الله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا” (الروم: 30).
ومن الدروس المهمة التي يجب أن نغرسها في أولادنا من خلال هذه الرحلة هو شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر بالحق. رغم استهزاء المشركين بهذه المعجزة، لم يتردد النبي صلى الله عليه وسلم في إعلانها بكل ثقة. كان يؤمن بأن الحق يجب أن يُقال مهما كانت الظروف، حتى لو كان ذلك ضد ما تعود عليه الناس من أفكار وأعراف.
كما يظهر في هذه الرحلة موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لُقِّب بـ”الصديق” بسبب إيمانه الراسخ بالمعجزة، حين قال له المشركون: “هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أُسرى به الليلة إلى بيت المقدس”، فرد أبو بكر رضي الله عنه قائلاً: “إن كان قال فقد صدق”. هذه اللحظة تمثل يقين المؤمن الصادق في تصديقه لنبي الله صلى الله عليه وسلم، حتى عندما يخالف العقل أو المنطق البشري.
أما من الناحية الدينية، فإن المسجد الأقصى يظهر في هذه الرحلة كمكانة عظيمة ومقدسة في قلوب المسلمين. فقد كان المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وهو المكان الذي أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه، ثم عرج من هناك إلى السماوات. وقد جاء في الحديث الشريف: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى” (رواه البخاري). وهذا يُؤكد على أهمية المسجد الأقصى عند المسلمين، ويحثهم على الاهتمام به والدفاع عنه.
وأخيرًا، تُعتبر الصلاة من أعظم الدروس التي فرضت في ليلة الإسراء والمعراج، مما يدل على أهميتها الكبرى في ديننا. كانت الصلاة آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، ما يعكس مدى مكانتها وأثرها في حياة المسلم.
رحلة الإسراء والمعراج ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي دروس حية في الصبر، والإيمان، والجهر بالحق، والتضحية، واليقين. علينا أن نعلم أبناءنا هذه القيم لكي يقتدوا بسيرة النبي الكريم، ويعيشوا حياة ملؤها الإيمان والصدق والتفاني في خدمة دينهم ووطنهم.