هل يجوز للأب كتابة ماله لبناته بنيّة حرمان إخوته؟.. الدكتور علاء فتحي الغريزي يوضح الحكم الشرعي

تلقيت سؤالًا مهمًا يتعلق بأحد المواضيع الشائكة في فقه المواريث والتصرفات المالية حال الحياة، وهو:
هل يجوز للأب أن يكتب ماله لبناته في حياته بنيّة حرمان إخوته (أعمام البنات) من الإرث؟
وهل يختلف الحكم إذا لم تكن النية هي الحرمان، وإنما مجرد الكتابة أو الهبة؟
الجواب:
القاعدة الشرعية العامة في المال: أن الإنسان حرّ في ماله حال حياته، يتصرف فيه كيفما شاء، ما دام كامل الأهلية: بالغًا، عاقلًا، مختارًا، غير مريض مرض الموت، وذلك في إطار التصرفات المشروعة، ما لم يكن التصرف محرمًا أو فيه ظلم أو إضرار بأحد، أو نية التحايل على أحكام الله تعالى.
قال الله تعالى:
“يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم”.
وعليه، فإن تمليك الأب للمال لا يخلو من أربع صور:
1. البيع (الكتابة)
2. الهبة أو العطية
3. الوصية
4. الميراث
أولًا: البيع الصوري بنية الحرمان
إذا كتب الأب ماله كله أو معظمه لبناته في حياته على سبيل البيع، وكان هذا البيع صوريًا (بلا ثمن حقيقي)، بنيّة حرمان إخوته من الميراث، فهذا لا يجوز شرعًا؛ لأنه يتضمن إضرارًا بالورثة وتحايلاً على أحكام الله تعالى، ويُعد من الحيل المحرمة.
قال تعالى:
“للرجال نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيبٌ مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا”.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه…”.
فالنية الفاسدة تُبطل التصرف، حتى وإن كان شكله قانونيًا.
ثانيًا: الهبة لمصلحة معتبرة دون نية الحرمان
إذا أعطى الأب بناته شيئًا من ماله لمصلحة معتبرة شرعًا وعرفًا، كضمان سكن أو سد حاجة، دون نية حرمان بقية الورثة، فلا حرج في ذلك، بشرط تحقق العدل بين الأولاد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم في العطية”.
فهذه الهبة جائزة إذا انتفت نية الإضرار، وتوافرت شروطها الشرعية.
ثالثًا: الوصية للورثة
إذا كتب الأب ماله لبناته على أن يتملكنه بعد وفاته (وصية)، فهذا لا يجوز شرعًا؛ لأن “لا وصية لوارث” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا أن بعض الفقهاء أجازوا الوصية للوارث في حدود ثلث التركة، بشرط موافقة بقية الورثة، وذهب آخرون إلى عدم اشتراط موافقتهم في هذه الحالة. وقد أخذ القانون المصري بهذا الرأي الأخير.
رابعًا: الميراث الشرعي
إذا آلت تركة الأب لبناته عن طريق الميراث بعد وفاته، فإن المال يُقسم قسمة شرعية، كما حدده الله تعالى، دون تدخل أو تحيّز لأحد.
نصيحة شرعية:
إن أردت أن تضمن لبناتك شيئًا من مالك، فلا تلجأ للبيوع الصورية بنية حرمان الورثة، فإنك بذلك تأثم، ويُحاسبك الله عليه، بينما ينعم به غيرك.
بل افعل ذلك بطريق الهبة، مع مراعاة العدل، وبدون نية إبطال ما فرضه الله من المواريث.
والله أعلم.
كاتب المقال: مدرّس الفقه العام بجامعة الأزهر