د. كرستينا عادل فتحي تكتب: مصر الرقمية.. توجيهات رئاسية جديدة تفتح أبواب المستقبل لشباب الوطن
في عالم يتسارع فيه التطور الرقمي، تصبح التكنولوجيا ليست مجرد خيار، بل ضرورة حتمية لمواكبة المستقبل. وفي إطار رؤية طموحة لتأهيل الكوادر المصرية، جاءت التوجيهات الرئاسية الجديدة لتضع مصر في طليعة الدول الساعية للتحول الرقمي. من البرمجة إلى الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، تنطلق الدولة بخطوات ثابتة نحو بناء جيل قادر على قيادة المستقبل الرقمي. فكيف تسهم هذه المبادرات في رسم خريطة جديدة لمصر الرقمية؟
توسيع نطاق التأهيل بتوجيهات رئاسية:
بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، مارس 2024م، وبإشراف القيادة العامة للقوات المسلحة، تعمل إدارة نظم معلومات القوات المسلحة، ممثلة في معهد نظم المعلومات، على توسيع نطاق تأهيل المدنيين والعسكريين في تسعة مجالات تكنولوجية حديثة. تشمل هذه المجالات إنتاج البرمجيات، تصميم وتنفيذ الشبكات، تكنولوجيا الحوسبة السحابية، الأنظمة الذكية، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، إنتاج المواد التعليمية والمحاكيات، التوثيق الرقمي والميكروفيلمي، وتصميم وإنتاج النظم المدمجة، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية.
تعزيز التحول الرقمي وبناء البنية التحتية:
أكد اللواء توفيق مختار توفيق، مدير إدارة نظم المعلومات للقوات المسلحة، أن القيادة السياسية تدعم بشكل غير محدود تطوير البنية التحتية التكنولوجية لجميع جهات القوات المسلحة، لمواكبة التطور السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات. ومواكبة لهذا التوجه، شهدت مصر طفرة كبيرة في البنية التحتية الرقمية، حيث تم تنفيذ مشروع توصيل الألياف الضوئية للقرى المصرية ضمن مبادرة “حياة كريمة”، مما أدى إلى تحسين خدمات الإنترنت في المناطق الريفية، وتعزيز فرص التعليم والعمل عن بُعد. كما تضاعفت سرعات الإنترنت خلال السنوات الأخيرة، لتصبح مصر الأولى أفريقيًا في متوسط سرعة الإنترنت الأرضي وفقًا لتقارير “Ookla Speedtest”.
تطوير الخدمات الحكومية الرقمية:
أحد أبرز مظاهر التحول الرقمي هو إطلاق منصة “مصر الرقمية”، التي توفر أكثر من 150 خدمة حكومية إلكترونية، تشمل استخراج شهادات الميلاد، تجديد رخص السيارات، ودفع الضرائب إلكترونيًا، مما يسهل الإجراءات على المواطنين ويعزز من كفاءة الخدمات الحكومية. كما تم تطوير خدمة “التقاضي الإلكتروني” التي تتيح تقديم الدعاوى ومتابعتها إلكترونيًا دون الحاجة للذهاب إلى المحاكم، في خطوة تعكس جدية الدولة في تنفيذ التحول الرقمي بكفاءة عالية.
برامج تدريبية معتمدة وتمكين الشباب:
أوضح اللواء دكتور وليد عدلي عطية أن المعهد ينسق مع كبرى الشركات العالمية لإنشاء مراكز تدريب معتمدة، وتحديث المناهج التعليمية في مجالات مثل الحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي. كما يحصل المتدربون على شهادات معتمدة محليًا، مع تأهيلهم لاجتياز اختبارات الشهادات الدولية.
في هذا الإطار، تم إطلاق مبادرات مثل “مستقبلنا رقمي”، التي توفر دورات تدريبية مجانية في البرمجة وتحليل البيانات والتسويق الإلكتروني، مما ساهم في توظيف آلاف الشباب في وظائف عن بُعد مع شركات عالمية. كما تم إنشاء “جامعة مصر المعلوماتية”، وهي أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بهدف إعداد كوادر قادرة على قيادة المستقبل الرقمي.
مبادرة “بداية جديدة”.. الاستثمار في بناء الإنسان:
من بين المبادرات الطموحة التي أطلقتها الدولة، تأتي مبادرة “بداية جديدة”، التي تستهدف بناء الإنسان المصري رقميًا عبر تدريب وتأهيل مختلف فئات المجتمع في مجالات التكنولوجيا المتطورة. توفر هذه المبادرة فرصًا تعليمية متخصصة للشباب، مع التركيز على تطوير مهاراتهم الرقمية، وتمكينهم من دخول سوق العمل المحلي والدولي. كما تتضمن برامج لتأهيل العاملين في الجهاز الإداري للدولة، مما يعزز من كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين.
دعم ريادة الأعمال والابتكار:
تعكس هذه الجهود اهتمام الدولة بريادة الأعمال والابتكار، حيث تم إطلاق برنامج “رواد تكنولوجيا المستقبل” الذي يمنح الشباب منحًا تدريبية في كبرى الشركات العالمية مثل “Google, IBM, Microsoft” لدعم الابتكار وريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا. كما تم إنشاء صندوق “رأس المال المخاطر” لدعم الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والتطبيقات الذكية، مما ساهم في بروز شركات مصرية ناجحة مثل “Fawry” و”Paymob”.
معايير التدريب واستقبال الدارسين:
وفقًا للعميد محمد سيد عبد الغني، مدير معهد نظم المعلومات للقوات المسلحة، فإن المعهد يستقبل المتدربين من جميع الفئات دون اشتراط شهادات سابقة، حيث يركز على تنمية المهارات التكنولوجية وفقًا لأحدث المعايير العالمية لتلبية احتياجات سوق العمل والتنمية الشاملة للدولة. كما يُقدم المعهد برامج تدريبية متخصصة للأطفال من عمر 11 عامًا في مجال البرمجيات، ويؤهل الطلاب والخريجين بمهارات تناسب سوق العمل، بالإضافة إلى تقديم دورات لموظفي الدولة في القطاعين العام والخاص.
ولم يغفل المعهد تأهيل ذوي الهمم، حيث وفر معامل وبرامج تدريبية تناسب احتياجاتهم، بما في ذلك تدريب المكفوفين على استخدام الحاسوب وبرمجيات ناطقة، مما يعكس التزام الدولة بتوفير فرص متكافئة للجميع.
نقلة نوعية في مسار التحول الرقمي:
تُعد هذه التوجيهات الرئاسية خطوة محورية في مسيرة التحول الرقمي لمصر وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي لتكنولوجيا المعلومات. ومن خلال توفير برامج تدريبية متطورة تستهدف جميع الفئات، تؤكد الدولة التزامها بتأهيل كوادر قادرة على المنافسة في عصر الثورة الرقمية.
إن التعاون مع كبرى الشركات العالمية يسهم في ضمان جودة التدريب ومواكبة أحدث التقنيات، مما يعزز من قدرة الكوادر المصرية على المنافسة في السوقين المحلي والدولي. كما أن تأهيل موظفي الدولة المنتقلين إلى العاصمة الإدارية الجديدة يعكس مدى جدية الدولة في تنفيذ التحول الرقمي بكفاءة عالية.
مستقبل مشرق لمصر الرقمية:
بوجه عام، هذه المبادرات تجسد رؤية مصر المستقبلية للاستثمار في العقول البشرية، مما يعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات المتسارعة في مجال تكنولوجيا المعلومات ويدفعها نحو الريادة الرقمية. فمصر اليوم لا تكتفي بمواكبة التحول الرقمي، بل تسعى لصناعته، واضعةً شبابها في مقدمة الركب نحو مستقبل أكثر تطورًا وإشراقًا.
كاتبة المقال:
مدرس الدراسات السياحية بوزارة التعليم العالي و البحث العلمي
عضو لجنة الثقافة و السياحة و الآثار و الإعلام بنموذج محاكاة مجلس الشيوخ بوزارة الشباب و الرياضة