مقالات

محمود فرغل إبراهيم يكتب: بين السطور.. معركة خفية تُخاض على أراضي السوشيال ميديا

 

حين تبدأ الحرب دون إعلان، ويصبح السلاح “منشورًا”، والميدان “فيسبوك”، والضحية “وعيك”، فاعلم أننا دخلنا رسميًا حروب الجيل السابع.

لم نعد نتحدث عن حرب تقليدية، ولم نعد ننتظر دبابات على الحدود أو طائرات في السماء. اليوم، تسكن الحرب في جيبك، تتسلل عبر شاشة هاتفك، وتخترقك وأنت تظن أنك تتصفح أخبار الناس، بينما الحقيقة أنك أصبحت مستهدفًا… بل أُعيدت برمجتك.

في الأيام الأخيرة، ضُخَّت كميات هائلة من المنشورات والفيديوهات الصادمة:

تحرش، اختطاف، اغتصاب، قتل، خيانة، فوضى…

لا صوت يعلو فوق صوت الذعر.

السؤال هنا ليس: هل هذه الحوادث حقيقية؟

بل: لماذا ظهرت فجأة بهذا التركيز والتكرار؟

ولماذا تُشعرك بأن كل ما حولك ينهار؟

الجواب ببساطة: إنها معركة نفسية.

تُدار من خلف الشاشات، وتُبنى على خوارزميات ذكية تعرف تمامًا كيف تُرينا ما يُفقدنا الثقة بكل شيء: في أنفسنا، في مجتمعنا، في قيمنا، وفي وطننا.

نحن أمام جيل جديد من الحروب لا يحتاج إلى جيوش، بل يكفيه أن يُقنعك أنك محاصر، وأن الخطر في كل زاوية، وأن البلاد تسير نحو الهاوية.

هكذا تنهار الأمم: من الداخل.

ما يُبث ليس بريئًا ولا عفويًا، بل ممنهج ومدروس.

يُزرع بدقة في وجدان الناس، ليُنتج حالة عامة من التوتر الجمعي، فيتحول المجتمع إلى كتلة من الخوف، والغضب، والتشكيك، والعجز.

هذه الحرب تستهدف “الصورة الذهنية”.

أن تراك تُفتش في بلدك عن أخلاق ضائعة، ومستقبل غامض، وترى في كل شارع فخًا، وفي كل شخص تهديدًا.

أن ترى الوطن لا كما هو، بل كما يريد العدو أن تراه: فاسدًا، مشوهًا، مخيفًا.

والمصيبة الكبرى أن المواطن نفسه يتحوّل إلى ناقل للسلاح وهو لا يدري؛

يشارك المنشورات، ينشر الخوف، يُعيد تدوير الرسائل، فيصبح شريكًا في الهدم من حيث لا يعلم.

وهنا يجب أن نقف.

ليس دفاعًا أعمى عن وطن، ولا تبريرًا لواقع فيه مشكلات، بل دفاعًا عن الحقيقة، عن الوعي، وعن حقنا في ألّا نُستغل نفسيًا ونُساق ذعرًا خلف أجندات خفية.

مصر – كأي وطن – تواجه تحديات، نعم.

لكن ما يُراد لنا أن نراه ليس الحقيقة، بل نسخة مشوهة من الواقع، هدفها خنق الأمل، وكسر الثقة، وتمزيق الروح المعنوية لهذا الشعب.

فلتكن هذه السطور نداءً لكل قارئ:

راجع ما تراه.

لا تكن أداة في يد من يعبثون بعقلك.

السوشيال ميديا ساحة معركة، وأنت فيها: إمّا هدف، أو مقاوم.

اختر أن تكون واعيًا.

في النهاية،

نحن لا ندعو إلى التجاهل، ولا نغض الطرف عن أخطاء قائمة،

لكننا نرفض أن يُسرق وعينا، أن نُختطف من داخلنا ونحن نظن أننا فقط نتابع الأخبار.

هذه بلادنا، وفيها الخير والشر، كما في كل بلاد العالم.

لكن ما لا نقبله هو أن نُصدّر للعالم، ولأنفسنا، صورة مشوهة، مزيفة، مسمومة.

وعينا هو خط الدفاع الأول،

وإيماننا بقيمنا هو آخر ما يجب أن نخسره.

فإما أن نصحو، أو نُساق…

إما أن نكون شهودًا على الحقيقة، أو أدوات في يد من يصنع الزيف.

فاختر… أن تكون في صف الوعي.

 

*كاتب المقال: عضو نموذج محاكاة مجلس الشيوخ 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى