
كتب: شادي ادوارد :
فى كل بلد، هُناك شخصيات محفورة في ذاكرة الأجيال، رجال ونساء كرسوا حياتهم لخدمة مجتمعاتهم وتركوا بصمات لا تُمحى. ومن بين هؤلاء الأعلام فى محافظة قنا، يبرز اسم المهندس عبد المعز أحمد إبراهيم، الذي لم يكن مجرد مهندس زراعي، بل كان رجل دولة بحق، ورائدًا فى العمل العام والخدمي، ومناضلاً ناصريًا ترك إرثًا غنيًا من العطاء والخدمات لأبناء قريته “أولاد نجم” ومحافظته قنا.
ميلاد وعطاء مبكر:
وُلد المهندس عبد المعز أحمد إبراهيم في 10 ديسمبر 1946، وتخرج في كلية الزراعة بجامعة أسيوط. منذ صغره، كان مهمومًا بالسياسة والعمل العام، فإنضم إلى الإتحاد الاشتراكي وهو لا يزال طالبًا.
يُعد المهندس عبد المعز واحدًا من ثلاثة مؤسسي التيار اليساري فى قنا، ومن أبرز الناصريين على مستوى المحافظة، مؤمنًا بأن خدمة الوطن والمواطن هى أسمى الغايات.
فور تخرجه، عمل مفتشًا للتموين، وأظهر كفاءة ونزاهة أكسبته سمعة طيبة. في سن مبكر، وتحديدًا في الثامنة والعشرين من عمره، أصبح عضوًا فى المجلس المحلي للمحافظة، ليثبت أن العمر لا يُقاس بالسنوات، بل بالهمة والعزيمة والإنجازات.
لم تكن عضوية المهندس عبد المعز في المجلس المحلي مجرد منصب شرفي، بل كانت منصة انطلاق لتقديم خدمات جليلة لأهالي “أولاد نجم”. ففي عمر الخامسة والعشرين، ساهم في تمهيد الطرق، وكان له دور محوري في دخول الكهرباء ومد شبكات المياه للقرية. ومن أبرز إنجازاته، سعيه الحثيث لتسمية الوحدة المحلية بإسمها الحالى “وحدة أولاد نجم بهجورة”، بعدما كان مقترحًا تسميتها “وحدة الشرق بهجورة”، إيمانًا منه بضرورة الحفاظ على هوية القرى وعراقتها.
ولم يتوقف عطاؤه عند هذا الحد، فبصفته عضوًا في المجلس المحلي التنفيذي، كان له دور بارز في تخصيص ألف فدان لجامعة جنوب الوادى عام 1977 ، مقترحًا الأمر على اللواء الباجورى محافظ قنا آنذاك، والذى كان يثق في رؤية المهندس الشاب المستقبلية، وقد وثّق الدكتور محمد أبو الفضل بدران هذا الإنجاز فى مقال له بعد رحيل المهندس عبد المعز. كما ساهم الفقيد فى تأسيس مركز الشباب والمدارس، إيمانًا منه بأهمية التعليم والرياضة فى بناء الأجيال.
تولى المهندس عبد المعز منصب مدير التجارة الداخلية فى مصنع الألومنيوم، وكان بابه مفتوحًا لأبناء قريته. فكان سببًا فى تعيين العديد من أبناء “أولاد نجم” فى وظائف مرموقة بمصنع الألومنيوم وشركة الكهرباء والضرائب ومصالح حكومية أخرى، دون أن يحصل على أى مقابل مادي. لقد كان مشهودًا له بنظافة اليد والسمعة الطيبة، ورجل الخدمات الأول الذى لم يبخل بعطائه.
وفى أواخر حياته، وتحديدًا عام 2013، خاطب الأوقاف لإعادة إعمار المسجد العتيق فى “أولاد نجم”، وكان سببًا فى تخصيص مليون جنيه من الأوقاف لهذا الغرض. وبعد وفاته، أعلن الشيخ عبد الشكور، إمام المسجد، هذا الأمر في خطبة الجمعة.
إرث مستمر ورؤية للمستقبل:
كان آخر أعمال المهندس عبد المعز تأسيس جمعية تنمية الثروة الحيوانية بأولاد نجم، والتى كان يطمح من خلالها لتوفير فرص عمل للشباب وتخفيض أسعار السلع من خلال الإنتاج الحيواني. ورغم أن القدر لم يمهله لإكمال هذا المشروع، إلا أن رؤيته كانت واضحة، مستلهمًا من الحديث الشريف: “إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”. لقد غرس المهندس عبد المعز فسائل الخير والعطاء، تاركًا خلفه إرثًا من الإنجازات والخدمات، وأجيالاً تربت على يديه.
ترك المهندس عبد المعز أحمد إبراهيم خمسة من الأبناء الصالحين: الدكتورة عبير (طبيبة أمراض جلدية)، الدكتورة هبة (أستاذة جامعية بكلية الإعلام)، المهندسة مروى (قسم ميكانيكا إنتاج باور)، الأستاذ أحمد (مدرس فيزياء وكيمياء ثانوي عام)، والمهندس محمد (حاسبات ومعلومات ويعمل في فودافون).
رحم الله المهندس عبد المعز أحمد إبراهيم، وبارك في نسله. لقد كان نبراسًا في العمل العام والخدمي، ومثالاً للنزاهة والعطاء، وستظل ذكراه محفورة في قلوب وعقول أبناء قنا، كشخصية وطنية قدمت الكثير لمجتمعها دون انتظار مقابل.