هل يُحاسَب الروبوت قانونيًا؟.. رسالة دكتوراه بحقوق قنا تناقش مسؤولية الذكاء الاصطناعي

كتب – سيد عبدالفتاح:
نوقشت بكلية الحقوق بجامعة جنوب الوادي بقنا، رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث أحمد محمد ناصر السعيدي، – الباحث الوافد من سلطنة عمان – والتي حملت عنوان: “المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار الذكاء الاصطناعي (الإنسان الآلي نموذجًا) – دراسة مقارنة”، وذلك تحت رعاية الأستاذ الدكتور أحمد عكاوي، رئيس جامعة جنوب الوادي، والأستاذ الدكتور محمد وائل عبد العظيم محمد، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والأستاذ الدكتور عبد الباري حمدان سليمان، عميد كلية الحقوق ووكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث.
تكونت لجنة الإشراف على الرسالة من الأستاذ الدكتور محمد يونس محمد علي الفشني، أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق – جامعة جنوب الوادي، والدكتور عباس مصطفى عباس، مدرس القانون المدني بالكلية، كما ضمت لجنة المناقشة والحكم كلًا من: الأستاذ الدكتور محمد سعد خليفة، أستاذ القانون المدني المتفرغ وعميد كلية الحقوق – جامعة أسيوط الأسبق، رئيسًا، والأستاذ الدكتور محمد حسن عبد الرحمن، أستاذ القانون المدني المتفرغ وعميد كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر الأسبق، عضوًا، بالإضافة إلى الأستاذ الدكتور محمد يونس محمد علي الفشني، مشرفًا وعضوًا.
وقد ناقشت الرسالة موضوعًا حديثًا يتصل بمسؤولية الذكاء الاصطناعي والروبوتات عن الأضرار التي قد تترتب على استخدامها، في ظل الطفرة الهائلة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا الحديثة، وتكمن أهمية البحث – كما أوضح الباحث – في كونه يتناول إشكالية غير مسبوقة تتعلق بمدى كفاية قواعد المسؤولية المدنية التقليدية للتعامل مع تحديات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في ظل تطور قدراته واتساع نطاق استخدامه في مجالات متعددة.
ويهدف البحث إلى التعريف بتقنيات الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي (الروبوت)، وبيان مدى أهميتها في الحياة اليومية، واستعراض التطبيقات المختلفة لهذه الأنظمة، كما يهدف إلى تحليل الأساس القانوني الذي يمكن أن تبنى عليه المسؤولية عن الأضرار التي قد تنتج عنها، وتحديد طبيعة الشخص المسؤول عن تلك الأضرار، وبيان أحكام التعويض ذات الصلة.
وتناولت الرسالة إشكالات محورية تتمثل في: ما هي الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي؟ وهل تصلح القواعد القانونية التقليدية وحدها لتنظيم هذه الظاهرة؟ أم أننا بحاجة إلى تنظيم قانوني خاص ومستقل؟ ومن يتحمل المسؤولية حال وقوع الضرر؟ وهل تقع المسؤولية على المصنع، أم المبرمج، أم المستخدم، أم النظام ذاته؟ وما نوع هذه المسؤولية، مدنية كانت أم تقصيرية أم عقدية؟ وما هي طرق إثباتها، ووسائل دفعها، وأحكام التعويض المرتبطة بها؟
وقد تطرق الباحث أحمد محمد ناصر السعيدي خلال الرسالة إلى بحث الطبيعة القانونية للروبوتات من جوانب متعددة، فتمت دراستها ضمن الاعتبار الشخصي، حيث ناقش إمكانية منحه شخصية قانونية مستقلة، أو اعتباره ضمن الأشخاص الاعتبارية، لكنه أوضح أن الخصائص التي يتمتع بها الروبوت تبعده عن هذا التوصيف، مع توجيه انتقادات علمية وقانونية لهذا التوجه، مما حال دون منحه تلك الشخصية القانونية.
كما تم تناول الروبوت ضمن الاعتبار الموضوعي، أي النظر إليه كشيء أو آلة تتطلب عناية خاصة، لكن الباحث بيّن أن ما يتمتع به الروبوت من خصائص وسمات ذاتية تجعله يتجاوز مفهوم “الشيء” التقليدي، كما ناقش اعتباره من قبيل “المنتجات” التي يطالها تنظيم قانوني خاص، مشيرًا إلى أن هذا التوجه، رغم كونه أقرب الأنظمة القانونية الممكنة للتطبيق، إلا أنه لم يَسْلم أيضًا من النقد والرفض في الأوساط القانونية.
وفي نتائج دراسته، أكد الباحث أن الروبوتات والأنظمة الذكية تتمتع بخصائص فريدة تجعل من الصعب إخضاعها للإطار التقليدي لقواعد المسؤولية المدنية، وأن الإبقاء على هذه القواعد دون تطوير أو تحديث قد يؤدي إلى قصور تشريعي في مواجهة المخاطر القانونية المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.
وأوصى الباحث أحمد محمد ناصر السعيدي، بعدة توصيات مهمة، كان من أبرزها: أولًا، ضرورة استحداث تنظيم قانوني خاص ومتكامل يتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، يتناول جميع الأحكام القانونية ذات الصلة، سواء من حيث تحديد المسؤوليات أو آليات الإثبات والتعويض، مع الاستفادة من التجارب الدولية السابقة، وعلى رأسها التشريعات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
ثانيًا، طالب الباحث بأهمية إدخال تغطيات تأمينية خاصة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات من قبل شركات التأمين، بما يشكّل مظلة أمان للشركات والأفراد الذين يستخدمون هذه التقنيات، ويسهم في تسهيل دخولها إلى الأسواق، وطمأنة المستهلكين والمطورين على حد سواء، شريطة أن تكون هذه الوثائق مصممة خصيصًا للتعامل مع طبيعة المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وفي نهاية المناقشة أوصت لجنة المناقشة والحكم بمنح الباحث درجة الدكتوراه في الحقوق بتقدير ممتاز.