مقالات
اللواء أحمد زغلول مهران مساعد مدير المخابرات الحربية السابق يكتب: خطوة تاريخية أم مناورة دبلوماسية؟
تأثير اعتراف المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين

في تطور استراتيجي لافت، أعلنت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.
هذه الخطوة وُصفت بأنها تحول في المزاج السياسي الغربي تجاه القضية الفلسطينية، ومحاولة لإحياء حل الدولتين بعد عقود من الجمود والانحياز السياسي.
يأتي الاعتراف في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتزايد الإحباط الدولي من فشل المفاوضات الثنائية، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقرارات الدولية.
السؤال المطروح الآن: هل يمثل هذا التحرك بداية لتسوية تاريخية عادلة أم مناورة دبلوماسية تحكمها اعتبارات سياسية ومصالح وقتية؟
أولاً- المتغيرات الجديدة وردود الفعل:
أبرز تطور هو إعلان كندا وأستراليا، إلى جانب بريطانيا والبرتغال، الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
كندا شددت على أن الخطوة دعم لحل الدولتين وليست مكافأة لأي طرف.
أستراليا أوضحت أن الاعتراف يستند إلى القانون الدولي وحق تقرير المصير.
البرتغال أكدت أن القرار انسجام مع التزاماتها الأخلاقية والقانونية ودعم لحل الدولتين.
تزامن الاعتراف مع تحركات أوروبية مماثلة في فرنسا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورغ وسان مارينو.
ردود الفعل
في العالم العربي والإسلامي: ترحيب واسع واعتباره دعماً لحق الشعب الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية: وصفت القرار بأنه انتصار للحق.
إسرائيل: رفضت القرار واعتبرته مكافأة للإرهاب محذرة من تداعياته.
دولياً: مواقف تراوحت بين الدعم الحذر والدعوة لتوسيع الاعتراف وبين اعتراضات ربطت الاعتراف بإصلاحات فلسطينية وضمان أمن إسرائيل.
منظمات حقوق الإنسان: أيّدت القرار وعدته عودة للمبادئ الإنسانية والقانونية.
ثانياً- تداعيات القرار:
يعزز شرعية القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
يفتح المجال لتوسيع العضوية في المنظمات الدولية.
يرفع الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان والانتهاكات.
يتطلب إصلاحات فلسطينية ومصالحة وطنية تعزز مصداقية الحكم.
ثالثاً- الدول المتوقعة:
فرنسا وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورغ وسان مارينو وأندورا مرشحة للاعتراف خلال اجتماعات الأمم المتحدة أو في سياقات سياسية قريبة.
كندا وأستراليا والبرتغال تتحرك دبلوماسياً مع شركاء الكومنولث والاتحاد الأوروبي لحشد دعم أوسع.
بعض الدول الغربية تربط الاعتراف بشروط إصلاح فلسطيني ونبذ العنف.
دول إسلامية وأفريقية وآسيوية قد تعلن دعماً رسمياً بما ينسجم مع مواقفها التاريخية.
رابعاً- إجراءات متوقعة:
1. تحويل الممثليات الفلسطينية إلى سفارات رسمية في لندن وأوتاوا وكانبيرا ولشبونة.
2. تعزيز الدعم القانوني عبر المحاكم الدولية واستثمار الاعتراف في المنظمات الأممية.
3. مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة بقرارات ملزمة، خصوصاً القرار 2334.
4. مراجعة الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل وفرض قيود على الشركات العاملة في المستوطنات.
5. قيام السلطة الفلسطينية بتوحيد المؤسسات وتعزيز الشفافية لضمان الاستقرار السياسي.
خامساً- تحركات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكومنولث:
في الأمم المتحدة: تحرك لرفع مكانة فلسطين من دولة مراقب إلى عضو كامل رغم عقبة الفيتو في مجلس الأمن.
في الاتحاد الأوروبي: نقاش حول توحيد الموقف خاصة بعد خطوة البرتغال.
في دول الكومنولث: دور بريطاني وكندي وأسترالي في تشجيع أعضاء آخرين مثل جنوب أفريقيا وماليزيا والهند ونيجيريا.
سادساً- خطوة تاريخية أم مناورة دبلوماسية؟
يتوقف تصنيف الاعتراف الرباعي بدولة فلسطين ـ من قبل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال ـ على طبيعة الإجراءات التي ستتبع هذه الخطوة، ومدى استعداد المجتمع الدولي، وخاصة الدول المؤثرة، لترجمتها إلى سياسات ملموسة تساهم في إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل.
من حيث الرمزية السياسية والدبلوماسية، يُعد الاعتراف بلا شك خطوة تاريخية، لأنه صادر عن أربع دول ذات ثقل سياسي واقتصادي وعلاقات استراتيجية مع إسرائيل، ما يجعله أكثر تأثيراً من الاعترافات السابقة. كما أن توقيت الاعتراف ـ في ظل تصاعد الجرائم ضد المدنيين في غزة وازدياد عزلة إسرائيل دولياً ـ يمنحه أهمية مضاعفة.
لكن هناك من يرى في هذه الخطوة ورقة ضغط دبلوماسية لتحريك الجمود في الملف الفلسطيني، دون التزام حقيقي بإجراءات تُجبر إسرائيل على الانصياع للقانون الدولي. ويستند هذا الرأي إلى تجارب سابقة اكتفت فيها دول عديدة بالتصريحات والاعترافات الشكلية من دون تحرك فعلي على الأرض.
لكي تتحول هذه الخطوة إلى تحوّل إستراتيجي حقيقي في مسار الصراع، يجب أن يتوافر ما يلي:
1. إرادة سياسية دولية تفرض احترام قرارات الشرعية الدولية، خصوصاً قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان.
2. دعم مؤسسات الدولة الفلسطينية سياسياً ومالياً، مع توفير مساعدات تنموية لبناء اقتصاد وطني مستدام.
3. دفع الأطراف الفلسطينية نحو تحقيق المصالحة الوطنية، وتوحيد الصف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على تمثيل جميع الفلسطينيين.
4. فرض قيود واضحة على التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية، سواء بالمقاطعة الاقتصادية أو بإعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية المخالفة للقانون الدولي.
5. تحرك منظم داخل الأمم المتحدة، خصوصاً الجمعية العامة، لتوسيع دائرة الاعترافات والدفع نحو منح فلسطين العضوية الكاملة.
تظل التحديات قائمة، وعلى رأسها استخدام حق النقض (الفيتو) من بعض الدول داخل مجلس الأمن لإجهاض أي قرار ملزم ضد إسرائيل، إضافة إلى الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي يُضعف موقف القيادة الفلسطينية ويفقدها الكثير من الدعم والمصداقية. لذلك ستتوقف الإجابة عن السؤال المطروح ـ «خطوة تاريخية أم مناورة دبلوماسية؟» ـ على ما إذا كانت هذه الاعترافات ستُستكمل بخطوات عملية تؤدي إلى تغيير فعلي على الأرض، أم ستبقى في إطار الرمزية السياسية التي لا تغيّر من جوهر المعادلة.
في النهاية، تبقى الكرة في ملعب المجتمع الدولي والقيادة الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية، لترجمة هذه الفرصة السياسية إلى إنجاز حقيقي يحقق العدالة والحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
* كاتب المقال: مساعد مدير المخابرات الحربية السابق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر رئيس الهيئه العليا للحزب. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.