صبرى موسى يكتب: سد النهضة بين السيول والفيضانات: أين تقف مصر؟

شهدت منطقة الهضبة الإثيوبية خلال الأسابيع الأخيرة موجة غير مسبوقة من الأمطار والسيول، أدت إلى تدفقات مائية هائلة تجاوزت 750 مليون متر مكعب يوميًا. وأمام هذا الوضع، اضطرت السلطات الإثيوبية إلى فتح بوابات الطوارئ الغربية لسد النهضة لتصريف كميات ضخمة من المياه، ما تسبب في فيضانات كارثية داخل السودان وتهديد مباشر لحياة المواطنين وممتلكاتهم، في ظل امتلاء خزان الروصيرص القريب من السد الإثيوبي.
هذا المشهد الكارثي يطرح جملة من الدروس والعبر التي يجب التوقف عندها:
أولًا: السودان خط الدفاع الأول
يبقى السودان الطرف الأكثر عرضة للخطر نتيجة غياب الشفافية والتنسيق من جانب إثيوبيا، حيث تسببت التدفقات المفاجئة في خسائر فادحة في الأرواح والزراعة والبنية التحتية.
تؤكد الأزمة أن إثيوبيا لا تتعامل بمسؤولية مع جيرانها، وأنها لا تضع في اعتبارها أبسط قواعد الأمان المائي.
ثانيًا: مصر وأهمية السد العالي
بالنسبة لمصر، يظل السد العالي صمام الأمان الاستراتيجي الذي يحمي البلاد من أي تدفقات مفاجئة أو فيضانات غير متوقعة.
لقد نجحت بحيرة ناصر في استيعاب كميات كبيرة من المياه دون أن يشعر المواطن المصري بأي تأثير مباشر، ما يثبت صحة الرؤية المصرية منذ ستينيات القرن الماضي في بناء هذا الصرح العملاق.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تكرار مثل هذه التدفقات يفرض تحديات جديدة في إدارة المياه والتخطيط الزراعي، كما يزيد من الفاقد نتيجة البخر من البحيرة.
ثالثًا: البعد الاستراتيجي لمصر
ما حدث يثبت صحة موقف مصر أمام المجتمع الدولي: إثيوبيا غير قادرة على إدارة سد النهضة بشكل آمن ومسؤول، ما يهدد السلم والأمن الإقليمي.
مصر مطالبة بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية لإبراز هذه الحقائق في المحافل الدولية، والتأكيد على أن غياب اتفاق قانوني ملزم لإدارة السد ليس مجرد خلاف فني، بل قضية وجودية تمس الأمن القومي لشعوب المنطقة.
ومن جانب آخر، يمنح ما جرى القاهرة ورقة ضغط إضافية لتقوية تحالفها مع الخرطوم، وإعادة السودان إلى مربع التنسيق الكامل مع مصر باعتباره الطرف الأكثر تضررًا.
رابعًا: المستقبل
يجب أن يكون الفيضان الحالي جرس إنذار للعالم أجمع بأن سد النهضة قد يتحول من مشروع تنموي إلى تهديد وجودي إذا ظل رهينة القرارات الأحادية الإثيوبية.
مصر من جانبها ستظل ثابتة على موقفها الراسخ: الحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، وضمان أمنها المائي عبر أدواتها السياسية والقانونية، وفي الوقت نفسه تطوير مشروعاتها القومية الكبرى في إدارة الموارد المائية.
الخلاصة
مصر اليوم أكثر قوة وثباتًا بفضل السد العالي، لكن تكرار هذه الكوارث يؤكد أن معركة التفاوض حول سد النهضة ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية. الرسالة واضحة: لا يمكن الاستسلام للقرارات الأحادية، ولا بديل عن اتفاق ملزم يضمن أمن واستقرار شعوب المنطقة ويحول دون تكرار مثل هذه الكوارث التي يدفع ثمنها الأبرياء.
* كاتب المقال : عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بنموذج محاكاة مجلس الشيوخ