اللواء هشام الضوي يكتب: المخدرات.. خطر يتجاوز الفرد إلى الأسرة والمجتمع
تُعْتَبَر الْمُخَدِّرَات وَاحِدَةٍ مِنْ أَبْرَزِ الْمُعْضِلَات الِاجْتِمَاعِيَّة وَالصَّحِية الَّتِي تُهَدِّدُ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي مُخْتَلَفٍ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ.
تَتَمَيَّزُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ بِتَأْثِيرِاتِهَا السَّلْبِيَّةِ الْمُتَعَدِّدَة، سَوَاءٌ عَلَى الْأَفْرَادِ أَوْ عَلَى العَائِلَات أَوْ عَلَى الْمُجْتَمَعِ كَكُلٍّ.
ويُمْكِن تَصْنِيف اثَار الْمُخَدِّرَات إلَى عِدَّةِ مَجَالَات، تَشْمَلُ الصِّحَّةَ، الِاقْتِصَاد، وَالْجَرِيمَة.
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّحَّةِ، تَسَبَّب الْمُخَدِّرَات الْعَدِيدِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْمَشَاكِل الصِّحِّيَّة. فَالْمُتْعَاطُون يُوَاجِهُون مَخَاطِر الْإِصَابَة بِأَمْرَاض مُزْمِنَة مِثْل الْتِهَاب الْكَبِد وَفِيروس نَقَصَ الْمَنَاعَةِ الْمُكْتَسَبِ (HIV)، بِالْإِضَافَةِ إلَى تَأْثِيرَاتِهَا النَّفْسِيَّة مِثْل الِاكْتِئَابِ وَالْقَلَقِ. حيث تَعْتَمِد الْمُخَدِّرَاتِ عَلَى نِظَامٍ الْجِسْم بِشَكْلٍ كَبِيرٍ، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى إدْمَانِ المُتَعَاطِين عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي يُعْتَبَرُ تَحَوُّلًا خَطِيرًا يَنْعَكِسُ عَلَى نَوْعَيْهِ حَيَاتِهِمْ.
أَمَّا عَلَى مُسْتَوَى الِاقْتِصَاد، فَإِنْ لِظَاهِرِه الْمُخَدِّرَات أَثَرٍ كَبِيرٍ عَلَى الْمَوَارِد الِاقْتِصَادِيَّة لِلدَّوْلَة. تُؤَدَّى تَكَالِيف عِلَاج الْإِدْمَان وَإِنْفَاذ الْقَانُون إلَى اسْتِنْزَاف مِيزَانِيات ضَخْمَةٌ. عِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، يُعَانِي الِاقْتِصَادِ مِنْ فِقْدَانِ الْإِنْتَاجِيَّة، حَيْثُ يَضْطَرُّ الْمُتَعَاطُون إلَى تَرْكِ أَعْمَالِهِمْ أَوْ مَهَامِّهِمْ الْيَوْمِيَّة بِسَبَبِ اثَارِ الْمُخَدِّرَات عَلَيْهِمْ.
مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، تُؤَدَّى الْمُخَدِّرَات إلَى ارْتِفَاعِ مُعَدَّلَات الْجَرِيمَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. يَتَوَرَّط الْكَثِيرِ مِنْ الْمُدْمِنِينَ فِي أَنْشِطَة غَيْر قَانُونِيَّة مِثْلَ السَّرِقَةِ أَوْ الِاتِّجَارِ بِالْمُخَدَّرَات لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَالِ لِشِرَاء جَرْعَاُتُّهِم، مِمَّا يُقَوِّي حَلْقِة الْعُنْف وَالْجَرِيمَة دَاخِل الْمُجْتَمَع. وتُسَاهِم هَذِه الْأَنْشِطَة فِي زِيَادَةِ التَّوَتُّر بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَتَدَهْوُر مُسْتَوَى الْأَمَان الْعَامِّ.
لَا يَقْتَصِرُ تَأْثِير الْمُخَدِّرَاتِ عَلَى المُتَعَاطِين فَقَطْ، بَلْ يَمْتَدُّ لَيَطُول أَسَرَهُمْ وَمُحِيطِهِمْ الِاجْتِمَاعِيِّ. فَالْأَهْل يُعَانُونَ مِنَ فِقْدَان أَبْنَائِهِمْ، فِي حِينِ أَنَّ الْأَطْفَالَ الَّذِين يَنْشأون فِي بَيئات مَلِيئَة بِالْمُخَدَّرَات قَدْ يَتَعَرَّضُون لِتِجَارب قَاسِيَةٌ تُؤَثِّرُ عَلَى نُمُوُّهُمْ النَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ. غَالِبًا مَا يَتَكَرَّرُ نَمَط الْإِدْمَانَ فِي الأَجْيَال الْقَادِمَة، مِمَّا يُشْكِلُ دَائِرَة مُفَرِّغَة يَصْعُب كَسْرِهَا.
لِحَلِّ مُشْكِلَةِ الْمُخَدِّرَات، يَجِب تُبْنَى إسْتِرَاتِيجِيَّات شَامِلَةٌ، تَشْمَل التَّوْعِيَة، الْعِلَاج، وَالْوِقَايَة. يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَثمر الحُكُومَاتُ فِي بَرَامِج تَوَعَّوية تَسْتَهْدِف الشَّبَاب وَتُسَاعِدُهُمْ عَلَى فَهْمِ مَخَاطِر الْمُخَدِّرَات. كَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الدَّعْم النَّفْسِيّ وَالْعِلَاج الدَّوَائِيّ لِلْمُدْمِنِين لِمُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى التَّكَيُّفِ مَع حَيَاتِهِمْ الْجَدِيدَةِ بَعْد الْإِقْلَاعُ عَنْ الْإِدْمَانَ.
فِي الْخِتَامِ، تَمَثَّل الْمُخَدِّرَات خَطَرًا جَسِيمًا عَلَى صِحَّةِ الْمُجْتَمَعِ وَاسْتِقْرَارِه. يَتَطَلَّب الْأَمْر تَضَافَر جُهُودُ الجَمِيعِ، مِنْ الْحُكُومَةِ إلَى الْأَفْرَادِ، لِمُوَاجَهَة هَذِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْحَدُّ مِنْ اثَارِهَا الْمُدَمِّرَة، مِنْ خِلَالِ التَّوْعِيَة وَالْعِلَاج وَالْوِقَايَة.
ويَبْقَى الْأَمَل دَائِمًا فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ خَالٍ مِنْ الْمُخَدَّرَاتِ، حَيْث يَعِيش الْجَمِيع حَيَاة صِحِّيَّة وَآمْنِة.