الشائعات: سلاح خفي يهدد الأفراد والمجتمعات في عصر حروب الجيل الخامس
تحقيق – هناء سليمان بخيت :
تعد الشائعات واحدة من أخطر الظواهر التي تفتك بالمجتمعات، إذ تنتشر بسرعة البرق، مشوّهةً الحقائق ومسببةً حالة من الاضطراب والقلق. تتسم هذه الأخبار الزائفة بجاذبيتها التي تثير الفضول، رغم افتقارها إلى أدلة أو مصادر موثوقة. أمثلة كثيرة تجسد خطورة الشائعات، مثل الحديث عن وضع صورة الفنان عادل إمام على العملات أو اختراع سيارات تعمل بالماء بدلًا من البنزين. عند تداول الشائعات، تفقد 70% من دقتها بحلول الشخص الخامس الذي يسمعها، ما يجعلها أداة فعالة لتضليل الناس.
الدكتور أشرف الهواري، الحاصل على دكتوراه في الفلسفة، أكد أن الشائعات سلاح خفي يهدد استقرار المجتمعات، مشيرًا إلى أنها تزيد من التوتر وسوء الظن بين الأفراد. يرى أن غياب الوعظ الديني وقلة المعرفة الصحيحة بالمعلومات، إلى جانب الاستخدام غير الواعي لوسائل التواصل الاجتماعي، يجعل المجتمعات عرضة لهذا السلاح المدمر. فقد تسببت الشائعات في انهيار أمم، وكانت وقودًا لحروب ونزاعات لم يكن لها أساس سوى كلمة.
من جانبه، أشار تامر محمد السمهودي، استشاري تكنولوجيا المعلومات، إلى أن الشائعات أداة رئيسية في حروب الجيل الخامس، إذ تُستخدم لتقويض استقرار الدول من خلال زعزعة الثقة بين المواطنين والحكومات، مما يؤدي إلى إضعاف التماسك الاجتماعي. كما أن الشائعات تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، حيث تتسبب في تراجع الاستثمارات وخلق حالة من الهلع تؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة تزيد الأزمات تعقيدًا.
أما الإعلامي محمود عبدالدايم تغيان، مندوب أول الأخبار في قطاع القنوات الإقليمية، فقد وصف الشائعات بأنها علم مدروس يتقنه خبراء متخصصون، مشيرًا إلى أنها تُستخدم أحيانًا كسلاح مخابراتي بين الدول. لمواجهة هذه الظاهرة، أكد ضرورة الشفافية وتحري الدقة في نشر المعلومات، إضافة إلى تفعيل قانون يضمن تداول المعلومات بحرية، مما يقلل من انتشار الشائعات المضللة.
من الطريف في هذا السياق، عندما سألنا عم سيد، وهو بائع، قال مازحًا: “والله يا بنتي، كنت بسمع إن شهر أبريل هو الوحيد اللي فيه كذبة أبريل، لكن اكتشفت إن السنة كلها كذب وإشاعات. إشاعات كتير اتقالت، وإحنا شعب طيب بنصدق بسرعة.
وأوضح الشيخ حامد عبدالمطلب، إن الشائعات ليست وليدة العصر الحديث، بل هي ظاهرة قديمة عرفها المجتمع الإسلامي منذ حادثة الإفك التي طالت السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث أطلقها ضعاف النفوس لبث الفتنة بين المسلمين. وقد أنزل الله تعالى براءة السيدة عائشة في قوله: “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (سورة النور: 11). وأشار إلى أن الإسلام حرم الشائعات ونشرها، ووصف الله في القرآن الكريم عقاب مروجيها بأنه عذاب أليم، كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (سورة النور: 19).
وأكد أن مسؤولية التصدي للشائعات تبدأ من الفرد، من خلال تحري الدقة والتأكد من صحة كل ما يسمعه قبل نقله للآخرين. فالتصرف بمسؤولية وأمانة في نشر الأخبار هو السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة التي تهدد مصائر الأفراد والأوطان.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن يكون عام 2025 خاليًا من الشائعات؟ الإجابة تعتمد على مدى وعي المجتمعات بضرورة التصدي لهذا السلاح الخفي، من خلال التفكير النقدي، والتحقق من المصادر، والامتناع عن المساهمة في نشر الأخبار غير المؤكدة. فقط عبر هذه الوسائل يمكننا أن نحمي مجتمعاتنا ونبني مستقبلاً مستقرًا وآمنًا.