تقارير وتحقيقات

الإدمان الإلكتروني.. الخطر الصامت الذي يهدد الأجيال

 

تحقيق: هناء سليمان بخيت

 

لطالما ارتبطت كلمة “إدمان” بتعاطي العقاقير المخدرة، لكن مع التطور التكنولوجي السريع الذي نشهده في العصر الحديث، ظهرت ظاهرة جديدة من الإدمان بدأت تؤثر في جميع جوانب حياتنا بشكل خطير، وهي الإدمان الإلكتروني أو المخدرات الرقمية.

 

 كان يبدو في البداية أن التكنولوجيا هي أداة لراحتنا وتسهيل حياتنا، ولكن مع مرور الوقت أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية التي لا يمكننا الاستغناء عنها. ومع تزايد الاعتماد على الأجهزة الرقمية، بدأنا نشهد تحول هذه النعمة إلى غمة، حيث أصبحنا أسرى لهذه التكنولوجيا بشكل تدريجي، حتى أن البعض أصبح لا يستطيع تصور حياته دونها.

 

الإدمان الإلكتروني

 

الإدمان الإلكتروني هو حالة يصبح فيها الأفراد معتمدين بشكل مفرط على الأجهزة الرقمية مثل الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، أو على المحتوى الرقمي مثل وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب الإلكترونية، منصات الفيديو، والتسوق عبر الإنترنت. هذا النوع من الإدمان أصبح شائعًا في جميع الفئات العمرية، حيث يجد الناس أنفسهم محاصرين في هذه الشبكات الرقمية التي توفر لهم نوعًا من الإشباع اللحظي ولكن على حساب حياتهم الاجتماعية، العملية، والصحية.

 

أعراض الإدمان الإلكتروني

 

من أبرز أعراض الإدمان الإلكتروني هو قضاء ساعات طويلة أمام الإنترنت تتجاوز ما كان الشخص قد حدده لنفسه. ففي البداية، قد يعتقد الفرد أنه مجرد استخدام عادي للتكنولوجيا، ولكن مع مرور الوقت يصبح من الصعب التحكم في الوقت الذي يقضيه أمام الأجهزة الرقمية. كما يظهر التوتر والقلق الشديدين في حال حدوث أي عائق للاتصال بالإنترنت، وقد يصل الأمر إلى الاكتئاب في بعض الحالات. 

كما يعاني المدمنون من إهمال الواجبات الاجتماعية والأسرية والوظيفية، ويصبح الحديث المتكرر عن الإنترنت جزءًا من حياتهم اليومية، مما يؤثر على علاقاتهم الاجتماعية والعملية.

 

أسباب الإدمان 

أما بالنسبة لأسباب هذا الإدمان، فإن الشعور بالوحدة والقلق يعتبران من العوامل الأساسية التي تدفع الأفراد إلى البحث عن ملاذ في الإنترنت. كما أن الضغوط اليومية التي يتعرض لها الناس قد تجعلهم يلجؤون إلى العالم الافتراضي كوسيلة للهروب من الواقع. علاوة على ذلك، فإن المكافآت الفورية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب تزيد من تعلق الأفراد بالأجهزة الرقمية، مما يساهم في تفاقم هذه الظاهرة.

 ومن الأسباب الأخرى التي تسهم في انتشار الإدمان الإلكتروني هي السهولة في الوصول إلى هذه الأجهزة والشبكات، حيث أصبحت متاحة في كل مكان وفي كل زمان.

 

طرق علاج الإدمان الإلكتروني

حول طرق العلاج وسبل التغلب على الإدمان الإلكتروني، أشار الدكتور عبدالباسط الصادي، مستشار وخبير تكنولوجي، إلى أن الإدمان الإلكتروني يمثل مشكلة متزايدة في عصرنا الرقمي. واكد أن تأثيره السلبي على صحتنا النفسية والجسدية والعلاقات الاجتماعية يتطلب منا البحث عن حلول فورية. وحول أسباب الإدمان، أضاف أن الشعور بالوحدة والقلق والضغوط اليومية هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع الأشخاص للانغماس في العالم الرقمي.

د.عبدالباسط الصادي

كما أوضح أن الأعراض تشمل إهمال الحياة الواقعية وتغيرات في المزاج، إضافة إلى مشاكل في النوم وضعف العلاقات الاجتماعية، والتي قد تؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية. وطرح حلولًا للتغلب على هذه المشكلة تتضمن الاعتراف بوجود المشكلة، تحديد الأسباب، وضع حدود للاستخدام اليومي للأجهزة الرقمية، ممارسة الأنشطة البديلة مثل الرياضة أو الهوايات، وأيضًا طلب المساعدة من مختصين عند الحاجة.

 

من جهته، أشار وائل ربيع، معلم تقنية معلومات ومدرب دولي، إلى أهمية وضع حدود زمنية لاستخدام الأجهزة الإلكترونية كإحدى الطرق الفعالة للحد من الإدمان. وأضاف أن ممارسة الأنشطة البدنية مثل الرياضة يمكن أن تكون بديلاً فعالًا عن قضاء الوقت أمام الشاشات. كما أكد على ضرورة تعزيز العلاقات الاجتماعية الواقعية وتقوية الروابط بين الأفراد بعيدًا عن العالم الرقمي. وقال أيضًا إن زيادة الوعي بمخاطر الإدمان الإلكتروني من خلال التثقيف يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في الحد من انتشار هذه الظاهرة. وفي حالة الحاجة، أوصى بالاستعانة بالخبراء النفسيين لعلاج الأشخاص المتأثرين بشكل مباشر بهذا الإدمان.

وائل ربيع

تأثير الإدمان الإلكتروني على العملية التعليمية

 

وفيما يتعلق بتأثير الإدمان الإلكتروني على العملية التعليمية، تحدث وائل ربيع أيضًا عن تأثيره الكبير على الطلاب والمعلمين. قال إن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة تعليمية فعّالة، لكن استخدامها المفرط يؤدي إلى آثار سلبية واضحة. فمن ناحية، يؤدي تشتت الانتباه بسبب استخدام الهواتف الذكية والانتقال بين التطبيقات والمواقع إلى ضعف التركيز أثناء الحصص الدراسية والدراسة الذاتية. ومن ناحية أخرى، يضعف الإدمان الإلكتروني من الأداء الأكاديمي، حيث يضيع الطلاب وقتهم في الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من التركيز على المذاكرة والتحضير. كما يؤثر على المهارات الاجتماعية، حيث يصبح الطلاب أكثر عزلة وأقل تفاعلًا مع زملائهم ومعلميهم، وهو ما ينعكس سلبًا على مهاراتهم في التواصل. بالإضافة إلى ذلك، يسبب الإدمان الإلكتروني مشاكل صحية مثل اضطرابات النوم وآلام الظهر والرقبة بسبب الجلوس المطول أمام الشاشات.

جرجس نبيل

وفي هذا السياق، أشار جرجس نبيل نجيب، موجه الصفوف الأولى بإدارة قنا التعليمية، إلى أن الإدمان الإلكتروني يشمل عدة أنواع من السلوكيات، مثل إدمان الإنترنت، إدمان الألعاب الإلكترونية، إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، وإدمان البريد الإلكتروني. 

 

وأضاف أن هذه الأنواع من الإدمان تؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية، سواء من حيث تدهور العلاقات الاجتماعية أو التأثير على الأداء في العمل والدراسة. كما أشار إلى أن الوحدة والانطواء والقلق والملل من أهم الأسباب التي تجعل الأفراد ينغمسون في هذا النوع من السلوك.

 

وفي تعليق على الوضع الحالي، قال الطالب محمد عمر: “ما عندناش نوادي أو أنشطة تانية غير الموبايل، فغصب عنّا بنقضي وقت طويل جدًا عليه”. 

 

كما قالت الطالبة بشرى نبيل: “حتى الدروس بنحصل عليها من خلال الموبايل، وكل حاجة بتعتمد على الإنترنت”.

 

 ومن جانبها، أعربت السيدة أحلام محمد، ولي أمر، عن استيائها قائلة: “أولادي طوال اليوم على الإنترنت، حتى التقييمات والمذاكرة كلها بقت عبر الإنترنت، فإحنا كأمهات محتاجين حل”.

 

أما صلاح محمد، صاحب مركز إنترنت، فقد أشار إلى أن الشباب، خصوصًا في سن مبكرة، يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات بسبب نقص الأنشطة البديلة.

 

 وفي نفس السياق، تحدث الشيخ جمال عيسى عن خطورة إهدار الوقت، مؤكدًا أن الآباء يجب أن يكونوا أكثر وعيًا بآثار هذه الظاهرة على أبنائهم، وألا يتركوا لهم الحرية الكاملة في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية دون رقابة.

 

أخيرًا، من الضروري أن يتم التعاون بين جميع الأطراف بما في ذلك الطلاب، المعلمون، والأهل، من أجل الحد من هذه الظاهرة. لا بد من توعية الأطفال والشباب بأهمية تنظيم وقتهم بشكل صحي وفعّال، واستخدام التكنولوجيا كوسيلة لتحسين حياتهم وليس كغرض يستهلك وقتهم ويشوه حياتهم. يجب أن تكون التكنولوجيا في خدمتنا، لا أن نكون أسرى لها.

 

  

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى