القديسة ڤيرينا.. ابنة الصعيد التي علمت سويسرا النظافة والتمريض

كتبت – منى أحمد :
أنجبت مصر عبر العصور العديد من الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في تاريخها، ونفخر بهم جميعًا. واليوم، نتعرف على إحدى الشخصيات التي لم تترك أثرًا مشرفًا في الصعيد المصري فقط، بل أصبحت رمزًا يحتفى به في سويسرا، حيث كانت مثالًا يُحتذى في التمريض والنظافة. فلا يزال السويسريون يفتخرون بها إلى يومنا هذا، حتى أنه بُني باسمها 70 كنيسة في سويسرا و30 كنيسة في ألمانيا، كما يوجد لها تمثال شهير في سويسرا وهي تحمل المشط والإبريق. إنها القديسة ڤيرينا، ابنة قرية جراجوس التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا.
وُلِدَت القديسة ڤيرينا في أسرة قبطية بقرية جراجوس في إقليم طيبة بالصعيد الأعلى، ويعني اسمها “ثمرة طيبة”. نالت المعمودية على يد الأسقف القديس شيرامون، أسقف مدينة نيلوس، الذي أشرف على تعليمها ونشأتها الدينية. نشأت ڤيرينا على الصلاة والتقوى، حتى أصبحت شابة هادئة ورعة، وكانت والدتها تعمل في صناعة ملابس الكهنوت. في ذلك الوقت، كان المسيحيون يجاهرون بإيمانهم رغم اضطهاد الرومان، وكثيرون نالوا إكليل الشهادة. كانت ڤيرينا تزور المسجونين من المسيحيين، تقدم لهم العون، وتشتاق إلى نيل نصيبها من الاضطهاد والاستشهاد.
في عهد الإمبراطور دقلديانوس (284–305م)، ذاع صيت الكتيبة الطيبية بقيادة القديس موريس، الذي كان من مدينة طيبة. أصدر الإمبراطور أوامره بترحيل فرقة القديس موريس إلى غرب أوروبا للمشاركة في إخماد ثورة شعب الباجور بجنوب شرق فرنسا. رافقت القديسة ڤيرينا هذه الحملة، إلى جانب القديسة ريجولا، والقديس فيلكس، والقديس ڤيكتور.
عند وصول الكتيبة إلى سويسرا، أمر الإمبراطور بتقديم البخور للآلهة الوثنية، فرفض أفراد الكتيبة جميعًا، فأمر بقطع رؤوسهم، ونالوا إكليل الشهادة وعلى رأسهم القديس موريس. أما القديسة ڤيرينا، فقد واصلت رحلتها شمالًا، حتى وصلت إلى سويسرا، حيث اعتكفت في كهف مع مجموعة من العذارى. كانت تجيد حياكة الملابس وتطريزها، وتعلمت لغة السكان حتى أتقنتها، وبدأت تقدم لهم خبراتها في التمريض وعلاج الأمراض بالأعشاب الطبيعية. أصبحت القديسة ڤيرينا رمزًا للنور والهداية، واعتُبرت أماً لجميع العذارى، وكرست حياتها لخدمة الفقراء، حيث قدمت لهم الطعام، واعتنت بالمرضى، ونشرت ثقافة النظافة والمظهر الحسن بين السكان.
استمرت القديسة في جهادها الروحي وخدمتها رغم مرضها وضعف جسدها، حتى حان وقت رحيلها عن العالم. حينها، ظهرت لها القديسة العذراء مريم ومعها بعض العذارى في قلايتها، وبشّرتها ببركات الحياة الأبدية ونعيم الفردوس. امتلأت القلاية برائحة البخور، وانتقلت القديسة ڤيرينا إلى السماء عام 344م، وتحتفل الكنيسة بتذكارها سنويًا في 4 توت من التقويم القبطي.
فيما بعد، استلم قداسة البابا شنوده الثالث، البطريرك الـ 117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، جزءًا من رفات القديسة ڤيرينا من كنيستها في تسورتساخ بسويسرا. ويوجد جزء آخر من رفاتها بكنيستها في قريتها الأم، جراجوس.