تقارير وتحقيقات

“التفرقة بين الأبناء”.. خطر يهدد تماسك الأسرة ومستقبل الأطفال

 

تحقيق – ولاء فخري :

التفرقة بين الأبناء هي من الظواهر السلبية التي قد تنشأ داخل الأسرة، حيث يُعامل أحد الأبناء بشكل أفضل أو أسوأ من الآخرين. هذا التمييز، سواء كان عن وعي أو دون قصد، قد يؤدي إلى شعور الأبناء بالتهميش وعدم التقدير.

العواقب النفسية لهذه الظاهرة تتراوح بين ضعف الثقة بالنفس، الغيرة بين الإخوة، وحتى انعدام الاستقرار العاطفي. ومع مرور الوقت، قد تؤدي هذه التفرقة إلى تفكك الروابط الأسرية، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والنفسية للأبناء في المستقبل.

 

 “مصر الحرية” تناقش الظاهرة التي أصبحت منتشرة في محيط العديد من الأسر، وتدق ناقوس الخطر، لإنقاذ ما يمكن إنقاذ.

 

في البداية تقول “لمياء صلاح “ أخصائية تخاطب -ماجستير مجالات الخدمة الاجتماعية- ومديرة مركز الأصدقاء لذوي الاحتياجات الخاصة بمركز أبوتشت بمحافظة قنا، إن التفرقة بين الأبناء هي السبب وراء المشكلات النفسية التي تظهر عند الكثير من الناس، سواء أطفال نتيجة هذا التمييز؛ أو عندما يتخطون مرحلة الطفولة، ومن أبرزها الحقد وعقوق الوالدين والأنانية.

 

وأضافت بأن التفرقة بين الأبناء تتسبب في مشكلات كتيرة، وهذا يؤثر على علاقتهم بالأصدقاء في المدرسة مثل الطفل المدلل، تصبح لديه مشكلات سلوكية ودائما نجد مستواه الدراسي في تراجع، بجانب أنانيته في فالتعامل وعدم تحمل المسئولية وعدم الاعتماد على النفس، وأغلب المشكلات التي نسمع عنها بين الأخ والأخت سببها التمييز بين طفل وطفل.

د.لمياء صلاح

 

وأشارت بأن الطفل المفضل أو المدلل يصبح أناني متعال، مغرور، متطلب، وعندما يكبر سيكون صعب التعامل معه ويخلق المشاكل مع زملائه في العمل أو الدراسة، فهو لا يعرف كلمة لا، كما قد يكون عاقا لأبويه… أما الطفل الغير مفضل فسيكون حقود على أخيه وأبويه، وقد يعاني من الاكتئاب والقلق واضطراب الأعراض الجسدية وعندما يكبر يصبح ضعيف الشخصية، متردد، قليل الثقة بنفسه، منقاد بسهولة للآخرين، ولن تكون له عاطفة قوية باتجاه إخوته وأبويه، وقد يكون عاقا لوالديه، ودائما المشاكل التي نسمعها عن الأخ الذي يقتل أخيه بسبب الميراث يرجع في الأصل إلى تميز الأب لأحد الأبناء عن إخوته. ينتج عن ذلك قطع صلة الرحم والتعدي علي حقوق أخيه أو أخته وهكذا، وبالتالي عند كبرهم تجد الحقد يملأ قلوبهم تجاه بعضهم البعض.

 

وقالت أن هذه الظاهرة انتشرت حاليا، ومنها على سبيل المثال؛ طفلة انفصلت والدتها، وتركتها وأخذت أخواتها الأولاد.. البنت حاليا في حضانه لكن الأم نفسها رافضة أن تعيش معها، وبالتالي منذ عامين لا تعرف عنها أي شئ.

 

وقالت : هناك حالة ثانية؛ الأب شبه منفصل عن الأم بسبب والده ووالدته ساعدوه علي خراب بيته، والأب قضى فتره في الأردن ولا يعرف شئ عن البنت والمصاريف الشهر ده اتمنعت عنها وأصبحت البنت ضحية للتفكك تماما بسبب زواجه بأخرى، والأم مريضة وتلقى العلاج وأصيبت بحاله نفسية ناتجة عن قيام والد زوجها بضربها بالخرطوم .

 

وتشير “لمياء صلاح” إلى الحالة الثالثة؛ واقفة إياها بأن لها طابع خاص، فهذه الحالة عبارة عن اثنين تؤام، و المشكلة كانت في الأم التي تزوجت ٣ مرات، في المرة الأولى أنجبت بنت حاليا في الصف السادس الابتدائي وحصلت مشكلة وانفصلت، بعدها بعدة سنوات تزوجت الأم بشخص آخر وأنجبت ولد، ثم انفصلت، وفي كل مرة تحصل الأم على قائمة المنقولات الزوجية وتصرفها على العيال.. ثم تزوجت للمرة الثالثة وأنجبت التؤام، عمرهم حاليا ثلاث سنوات ونصف، ووالدهم دخل السجن، و الأم للأسف لا تعرف عن أولادها غير الأكل والشر، وليس لديها وقت لمتابعة سلوك الأطفال، بسبب أنانيتها وتعاملها مع الأطفال بعنف وعدم الاهتمام بالنظافة. 

 

وتقول د.شيماء علي، أن التفرقة بين الأبناء ليس عدلًا : “اللي مش قادر يعدل بين الأبناء أو يهتم بيهم ما يخلفش من الأول”.. لأنه الأطفال أحباب الله والدين الإسلامى حث على تربية الأبناء بطريقة سوية وعادلة وتربية دينية، لأن التفرقة بين الأبناء يؤدى إلى مشاكل نفسية كتيرة لدى الطفل، وحينما يكبر يعاني من خلل في تصرفاته وإحساسه.

 

واقترحت أن يتم استحداث الكشف النفسي على المقبلين على الزواج لبيان أهليتهم للزواج بجانب الكشف الطبي، فما يحدث من مهازل في المحاكم المتضرر منه أولا وأخيرا هم الأطفال، مطالبة أي شخص يشهد واقعة انفصال بين زوجين أن يقوم بابلاغ وحدة حماية الطفل، لأن الأطفال اول المتضررين.. وفي المقابل يجب على وحدة حماية الطفل أن يكون دورها أكثر فاعلية، من خلال الوصول للأطفال في أماكنهم، وعمل حصر حقيقي وتنظيم ندوات توعية فى المدارس لحماية الأطفال من أنانية والديهم.

 

وأشارت صابرين عبدالمنعم، بأنها مرت بهذه الحالة مع زوجة أخيها الوحيد وأنها معها 3 أطفال وأخر طفلة لها كانت بنت دائما تميز ابنتها وإبنها الأكبر سننا وتنفر الطفلة الصغيرة بتصرفاتها، فلا يوجد اهتمام أو حنان أو معاملة حسنة أو ترفيه، وحتي النوم كانت تكره النوم معها، وقد صعقت من هذا المنظر وعند سؤالها لماذا هذه المعاملة وهذه ابنتك الصغرى وتحتاج لرعايتك وعطفك؟؟ قالت :”أنها لا تحبها ولا تشعر ناحيتها بأي شعور محبة ومتعرفيش ليه الإحساس ده ومش بطيقها رغم انها ابنتي ومن صلبي واخر العنقود لكن دائما بحس بالنفور منها ومش بحب تكون معي في أي مكان وهذا شعور داخلي وطبع حاليا مش عارفه أسبابه ولا عارفه أغيره وأحبها ” !! .

 

وأضافت فاطمة محمد، معلمة بإدارة أبوتشت، بأنه لا يجوز أن يفرق الأم أو الأب في المعاملة بين الأبناء، من ناحية الحب فالقلب بيد الله، وهذا يعني أنها من الممكن – وغصب عنها – تحب طفل أكثر من الثاني، لكن في المعاملة الإثنين يعاملا معاملة واحدة دون تمييز، لأننا غير مسؤولين عن القلوب فعي بيد الله، فالنبي صلي الله عليه وسلم كان يحب السيدة عائشة أكثر من بلقي زوجاته لكن لم يظلم أحد فيهن ولم يفرق في معاملته لهن كزوج.

 

أضافت : الضرب للأطفال ممنوع قبل سن العشر سنوات لقول النبي صلي الله عليه وسلم “علموهم الصلاة علي سبع واضربوهم عليها علي عشر”، والضرب ضرب غير مبرح ، والدعاء للأطفال بصلاح الحال والهداية وعدم الدعاء عليهم وتربيتهم على الدين والعقيدة الصحيحة من واجبات الأم والأب.

 

وتقول زينب السيد : “أنا براعي ربنا في أولادي وشوفت الخلفة بعد 8 سنين من جوازي ورزقت بولد الحمد لله وبعده ببنت ومع مرور الوقت تعلقت بالبنت جدا واهملت الولد وحسيت بجفاء من ناحيته شعور لا إرادي وغصب عني والجميع لاحظ هذه المعاملة وأنا معرفش السبب بجد رغم اني شوفته بعد عذاب وكنت هاطلق بسبب عدم الخلفة”.

مرتضى الطلحاوي

أضاف مرتضي الطلحاوي، محام بمركز أبوتشت، أن الحقيقة القانونية أنه لا يوجد تجريم قانوني ولا نص قانوني يجرم التفرقة بين الأبناء وعطفاً عما أمرنا به المولي سبحانه وتعالي بأن الأبناء ملزمون بالبر حتي لو بلغ ظلمهم الذروة ولكن إذا تجاوز الظلم للفعل المادي من التنمر أو الضرب فهذا مجرم قانونا ويعاقب عليه حيث تضمن قانون العقوبات برقم 309 مكررًا إضافة مادة جديدة، جاء فيها تعريف واضح للتنمر، وأدخلت عليه اللجنة تعديلا لضبط الصياغة، بحيث ينص على أنه يعد تنمرًا كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجني عليه أو اتخاذ تدابير أخري غير مشروعة بقصد الإساءة للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى، بقصد تخويفة أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو اقصائه من محطيه الاجتماعى.

 

أوضح : هذه المادة تبسط سلطانها على التنمر علي الأولاد بأن تذكره بالسوء وتحقر من قدره وتحط من عزيمته ، والحقيقة أن الأصل هو متساوي إلا باستثناء يتعلق بمرض نفسي للأم أو وجود سبب يدعوها للتفضيل، وهذه الحالات ضئيلة جدا.. دون ذلك لا يوجد نص صريح يجرم التفرقة بين الأبناء،

 

وأكد أن هناك الكثير من الآباء يقومون بالتفرقة بين أطفالهم سواء بقصد أو دون قصد، وهذا ما يتسبب في كثير من الآثار الجانبية السلبية التي تنمو بداخل الأطفال، وهناك الكثير من الطرق في التفرقة في المعاملة بين البنت والولد، وبين الكبير والصغير، والتفرقة المادية.

الشيخ محمد حمادي

 ويقول الشيخ محمد حمادي، إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف بمركز أبوتشت: لقد نهانا الإسلام عن التفرقة بين الأبناء وأمرنا بالعدل بينهم لأن التفرقة بينهم توغل صدور بعضهم على بعض وتورث الحقد والكراهية.. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. وقال أيضا صلي الله عليه في الحديث الآخر “أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فهكذا..

 

أضاف: إن الإسلام أمرنا بالعدل وخاصة بين الأبناء لأن سوء معاملة أحدهم ظلم وقد نهانا الإسلام عن الظلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم..كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

د.أحمد جمال

 

وأكد الدكتور أحمد جمال، الأخصائي النفسي، ومدير مركز ABA لتنمية القدرات العقلية بأبوظبي، وفني تحليل سلوك من البورد الأمريكي RBT: أن العلاقة بين التفضيل الأبوي وتأثيره على الأطفال تعد موضوعاً مهماً في علم النفس، إذ تظهر الدراسات الحديثة أن تفضيل أحد الأبناء يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية. هذا التفضيل يعزز شعور الأطفال غير المفضلين بالعزلة وانخفاض تقدير الذات، مما يؤثر على علاقاتهم مع الوالدين والأشقاء. كما أن التفضيل يساهم في تناقص التقارب بين الأشقاء، حيث يظهر الأطفال الذين شعروا بأن هناك تفضيلاً أقل رضا عن علاقاتهم الأسرية في مراحل لاحقة من الحياة. إضافة إلى ذلك، فإن الأطفال الأصغر غالبًا ما يشعرون بأنهم مفضلون، بينما يتعرض الأطفال الأوسطون لتحديات أكبر في هذا السياق.

 

وأضاف : أن الدراسات تشير أيضًا إلى أن التفضيل يؤثر على التوقعات الأكاديمية للأطفال، حيث يتوقع من الأطفال المفضلين تحقيق إنجازات أكبر مقارنة بغيرهم. ولكن، هذا التفضيل قد يضر بالعلاقة مع الوالدين في وقت لاحق، حتى بالنسبة للأطفال الذين يشعرون بأنهم كانوا المفضلين. وبالتالي، فإن ضمان العدل بين الأبناء يمكن أن يسهم في تحسين الاستقرار النفسي والعلاقات الأسرية، ويؤدي إلى تقوية الروابط العائلية في المستقبل.

 

وأكد: أن هذه الموضوعات تسلط الضوء على أهمية انتباه الأهل إلى ضرورة التعامل العادل مع جميع الأبناء للحفاظ على صحة نفسية متوازنة وتطوير بيئة أسرية داعمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى